قائل : (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ) ومن البين أنّ صدور الذنب من أحد ابني آدم لا يصلح أن يكون سببا لإيجاب القصاص على بني إسرائيل ، وزيف بأنّ الآية تدل على أنّ القاتل جهل ما يصنع بالمقتول حتى تعلم ذلك من عمل الغراب ولو كان من بني إسرائيل لم يخف عليه. قال مجاهد : أكل النار علامة الرد. وجمهور المفسرين على أنّ ذلك علامة القبول. وقيل : ما كان في ذلك الوقت فقير يدفع إليه ما يتقرّب به إلى الله فكانت النار تنزل من السماء فتأكله. وإنما صار أحد القربانين مقبولا والآخر مردودا لأنّ حصول التقوى شرط في قبول الأعمال ولهذا قال تعالى حكاية عن المحق في جواب المبطل : (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) وذلك لأنه لما كان الحسد هو الذي حمله على توعده بالقتل فكأنه قال له : ما لك لا تعاتب نفسك ولا تحملها على طاعة الله تعالى التي هي السبب في القبول؟ قيل في هذه القصة : إنّ أحدهما جعل قربانه أحسن ما كان معه وكان صاحب غنم ، والآخر جعله أردأ ما كان معه وكان صاحب زرع. وقيل : إنه أضمر حين قرب أنه لا يزوّج أخته من هابيل سواء قبل أو لم يقبل. وقيل : لم يكن قابيل من أهل التقوى وفي الكلام حذف فكأن هابيل قال في جواب المتوعد : لم تقتلني؟ قال : لأنّ قربانك صار مقبولا. فقال هابيل : وما ذنبي إنما يتقبل الله من المتقين. ثم حكى الله سبحانه عن المظلوم أنه قال : (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ) فذكر الشرط بلفظ الفعل والجزاء بلفظ اسم الفاعل مقرونا بالباء المزيدة لتأكيد النفي دلالة على أنه لا يفعل ما يكتسب به هذا الوصف الشنيع البتة. قال مجاهد : كان أقوى من القاتل وأبطش منه ولكنه تحرّج عن قتل أخيه واستسلم له خوفا من الله لأنّ الدفع لم يكن مباحا في ذلك الوقت وهذا وجه قوله : (إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ) وقيل : المعنى لا أبسط يدي إليك لغرض قتلك وإنما أبسط يدي إليك لغرض الدفع. قال أهل العلم : الدافع عن نفسه يجب عليه أن يدفع بالأيسر فالأيسر وليس له أن يقصد القتل بل يجب عليه أن يقصد الدفع ، ثم إن لم يندفع إلّا بالقتل جاز له ذلك. ثم قال : (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ) فسئل أنه كيف يعقل أن يرجع القاتل مع إثم المقتول (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [الأنعام : ١٦٤]؟ فقال ابن عباس وابن مسعود والحسن وقتادة : أي تحمل إثم قتلي وإثمك الذي كان منك قبل قتلي. وقال الزجاج : ترجع إلى الله بإثم قتلي وإثمك الذي من أجله لم يتقبل قربانك. وقال في الكشاف : إنه يتحمل مثل الإثم المقدر كأنه قال إني أريد أن تبوء بمثل إثمي لو بسطت إليك يدي. سؤال آخر : كيف جاز أن يريد معصية أخيه وكونه من أهل النار؟ والجواب أن هذا الكلام إنما دار بينهما عند ما غلب على ظن المقتول أنه يريد قتله وكان ذلك قبل إقدام القاتل على إيقاع القتل فكأنه لما وعظه