وهذا الانقسام الفكري بين الصحابة كان من جملة الأسباب التي أدت لاختلاف المسلمين في الأحكام الشرعية بعد رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله ، وقد كان هذا الانقسام منطويا على علل أخرى سنتعرض لها في مطاوي البحث إن شاء اللّٰه تعالى.
بلى ، إنّ دعاة الاجتهاد استدلوا على شرعية هذا الاختلاف بقوله صلىاللهعليهوآله :(اختلاف أمتي رحمة) ، لكن أحقا أن (اختلاف أمتي رحمة) بالمعنى الذي أريد أن يفسّر به؟ أم أنّ له معنى آخر؟ ولو صح ذلك فكيف نفسر قوله صلىاللهعليهوآله : (لا تختلفوا فتهلكوا) ، وقوله : (ستفترق أمتي إلى نيف وسبعين فرقة ، فرقة ناجية والباقي في النار)؟
ولما ذا يكون الاختلاف بين المسلمين إلى هذا الحد ، وكتابهم واحد ، ونبيّهم واحد؟
فترى هذا يسدل يديه في الصلاة والآخر يقبضهما ، والثاني يفرّج بين رجليه في الصلاة والآخر يجمع بينهما ، وثالث يغسل رجليه في الوضوء والآخر يمسحهما ، ورابع يجهر بالبسملة والآخر لا ينطق بها مجهورة ، وهذا يقول بالتأمين وذلك لا يقول به ، والعجيب أنّهم جميعا ينسبون أقوالهم وأفعالهم ـ على ما فيها من تضارب ظاهر ـ إلى رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله! أفيكون رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله قد قالها جميعا ، وفعلها جميعا ، وصحّ عنه النقلان ـ أو النقول كلّها ـ كما يقولون؟! أم أنّ فعله كان واحدا في كلّ هذه الحالات؟! وإذا كان ذلك كذلك ، فمن أين جاء الاختلاف الذي يعسر دفعه وإنكاره؟! أترانا مكلّفين في شريعة اللّٰه أن نقف على الرأي الواحد ، أم أنّا قد أمرنا بالاختلاف؟ بل بم يمكن تفسير ظاهرة اختلاف النقل عن الصحابي الواحد؟! ولم ظهرت رؤيتان في الشريعة ، إحداهما تدعو إلى التعددية ، والأخرى تنادي بالوحدوية؟! فلو كانت التعدديّة هي مطلوب الشارع ، فلم حصر النبي صلىاللهعليهوآله الفرقة الناجية من أمته بواحدة من الثلاث والسبعين وقال في الباقي أنّها في النار؟!! ألم يلزمه صلىاللهعليهوآله على التفسير السابق القول : الجميع ناجية وواحدة في النار؟!! ـ