هو صريح ابن حجر (١) ـ وسيأتي توضيح ذلك.
وأمّا ما رواه فطر بن خليفة : قلت لعطاء أنّ عكرمة قال : قال ابن عباس سبق الكتاب المسح على الخفين ، فقال عطاء : كذب عكرمة ، بل سمعت ابن عبّاس يقول : امسح ..
فالكاذب المخطئ هنا هو عطاء نفسه لا عكرمة ، لأنّ هذا القول ثابت عن ابن عباس بطرق مستفيضة ، والمسانيد والصحاح التي تذكر الناهين عن المسح على الخفين ، تعدّ ابن عباس في ضمن من نهى عن المسح على الخفين (٢).
كانت هذه النقول أشدّ ما يستدل به على تكذيب عكرمة ، وقد استبان لك سقمها ، لكون غالبها دعاوي فارغة غير مبيّنة العلّة والسبب إلّا في موردين أو ثلاث ، كزواج النبيّ صلىاللهعليهوآله من ميمونة وهو محرم ، والنهي عن المزفّت والدباء ، وقد اتضح لك عدم صلاحها للطعن.
هذا وإنّ الإصرار على تكذيب عكرمة مع تغاضيهم عن أخطاء المحدثين الآخرين ليدلّ على أنّ وراء تكذيبه غرضا شخصيّا وهوى نفسيّا.
ولعلّه لذلك نظر يحيى بن معين حيث قال : إذا رأيت إنسانا يقع في عكرمة وحماد بن سلمة فاتّهمه على الإسلام (٣).
وقد أراد عكرمة بقوله : أرأيت هؤلاء الّذين يكذّبوني من خلفي ، أفلا يكذّبوني في وجهي (٤) ، التنبيه على أن هؤلاء لا يبتغون العلم والحقيقة ، إذ لو أرادوا ذلك لجاءوا فسألوه عمّا يستنكرونه ، فلمّا لم يقابلوه بذلك علمنا بأنّهم مغرضون ، ولذلك وصفهم أبو جعفر الطبري بأنّهم من أهل الغباوة (٥).
وقال ابن مندة في صحيحه بعد كلام طويل له في مدح عكرمة : أجمع الجماعة
__________________
(١) مقدمة فتح الباري : ٤٢٤.
(٢) كعلي بن أبي طالب ، وعائشة بنت أبي بكر و ..
(٣) تهذيب الكمال ٢٠ : ٢٨٨.
(٤) تهذيب الكمال ٢٠ : ٢٨٨ ، سير أعلام النبلاء ٥ : ١٩.
(٥) انظر هامش سير أعلام النبلاء ٥ : ٣٥.