ولو صحّ صدور الغسل عن ابن عبّاس ، فلم لا يرجع عكرمة إليه رغم قربه من ابن عبّاس؟!! أم هو يوسف بن مهران؟ الّذي أخرج له ابن كثير عن ابن عبّاس عكس خبر الرجوع ، حيث قال في قوله تعالى (أَرْجُلَكُمْ) : هو المسح.
أم هو عمرو بن دينار؟ الّذي روى خبر المسح عن ابن عبّاس كذلك ـ كما مر في الصفحات السابقة ، أم غيرهم؟! فثبوت النصوص المسحيّة عن هؤلاء ، والسيرة العملية عن ابن عبّاس فيه ، تشكّكنا في قبول القول بالرجوع ، وذهابه إلى الغسل.
الثالثة : المعروف عن ابن عبّاس كونه من بني هاشم ، ومن أهل البيت ، ومن المقرّبين للرسول ، حتّى كان من أمره أنّه يبيت مع النّبيّ صلىاللهعليهوآله في بيته في غرفة واحدة ـ لكون زوجة الرسول ميمون بنت الحرث الهلالية هي خالته ـ وقد صلى مع رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله نافلة الليل (١) وصلواته الأخرى ، فلا يعقل أن لا يعرف مثل هذا الوضوء حتّى يجتهد فيه في أخريات حياته فيرجع إلى الغسل ـ بسبب قراءة ، المفروض أنه كان قد سمعها من النّبيّ صلىاللهعليهوآله من ذي قبل ، وعرف دلالتها ـ فالوضوء إذن مسألة من المسائل الّتي فهمها ابن عبّاس وأدركها حقّ الإدراك باعتبار أمرا عمليّا فعله النّبيّ صلىاللهعليهوآله بمرأى ومسمع منه ، ولم يكن بالشيء الخافي والمبهم الّذي يمكن إكثار وجوه التفسير والتأويل فيه.
نعم ، قد إدراكه ابن عبّاس بحسّه ، ورآه بعينه ، ووعاه بقلبه ، لأنّه ليس حديثا أو كلاما يحتمل فيه سوء الفهم أو الاختلاف في الدلالة.
ومعنى كلامنا : أنّ ما قاله ابن عبّاس لا يمكن تصوّر الاجتهاد فيه ، لأنّه كاشف عن يقينه بما قاله وأنّه مستند إلى العلم لا الظن والتخمين ، لوقوفه على أن حكم
__________________
(١) صحيح البخاري : ١ : ٥٧ ، صحيح ابن خزيمة ١ : ٦٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٤٧ وفيه (فقام النّبيّ فتوضأ من شنه وضوءا يقلّله)