لتعرضه للنجاسة في غالب الأحيان ، فلو صحّ عندهم خبر دالّ على مشاهدة حسيّة عن رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله لاستدلّوا به على غسل الرجلين ، ولما اكتفوا بهذه الجملة للتدليل على الغسل ، مع أنك عرفت سقم محكيات الصحابة وطرقهم الغسليّة عن رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله.
وإليك الآن ما أخرجه مسلم في صحيحه ـ باب غسل الرجلين ـ بسنده إلى سالم مولى شدّاد ، قال : دخلت على عائشة زوج النبيّ صلىاللهعليهوآله يوم توفي سعد بن أبي وقاص ، فدخل عبد الرحمن بن أبي بكر فتوضّأ عندها ، فقالت : يا عبد الرحمن أسبغ الوضوء ، فإني سمعت رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله يقول : ويل للأعقاب من النار (١).
وفي مسند أحمد : .. فأساء عبد الرحمن ، فقالت عائشة : يا عبد الرحمن ، أسبغ الوضوء فإني سمعت رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله يقول : ويل للأعقاب يوم القيامة من النار (٢).
فهذان النصان يوضّحان لنا أن وضوء عبد الرحمن يغاير وضوء عائشة ، لقول عائشة له : (أسبغ الوضوء ، فإني سمعت رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله يقول ويل للأعقاب من النار) ، ولما نقله الراوي (فأساء عبد الرحمن ، فقالت عائشة ..) فإن عائشة لو كانت قد رأت رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله قد غسل رجليه للزمها أن تقول : يا عبد الرحمن اغسل رجلك ، فإني رأيت رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله يغسل رجليه ، وحيث لم تر رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله يغسل رجليه استدلّت على وجوب الغسل بقوله صلىاللهعليهوآله : ويل للأعقاب من النار ، لا برؤيتها.
والبصير العالم يعلم بأنه لا دلالة في (أسبغ الوضوء) و (ويل للأعقاب من النار) على غسل الأقدام ، بل إنّ لكلّ واحدة من الجملتين مفهوما يختص بها حسب ما سنوضحه في المجلد الثالث من هذا الكتاب «الوضوء في الكتاب واللغة».
نعم ، إنّ الرأي قد استخدم لترسيخ وضوء الخليفة عثمان بن عفان ، ومما يؤيّد ذلك ما أخرجه الطبري بسنده إلى حميد ، قال : قال موسى بن أنس لأنس ـ ونحن عنده ـ : يا أبا حمزة إنّ الحجّاج خطبنا بالأهواز ونحن معه نذكر الطهور ، فقال : اغسلوا وجوهكم وأيديكم وامسحوا برءوسكم وأرجلكم ، وإنه ليس من ابن آدم أقرب إلى خبثه من قدميه ، فاغسلوا بطونهما وظهورهما وعراقيبهما.
__________________
(١) صحيح مسلم ١ : ٢١٣ / ٢٥.
(٢) مسند أحمد بن حنبل ٦ : ١١٢.