قد امتنّ على جماعة هذه الأمة فيما عقد بينهم من حبل هذه الألفة التي ينتقلون في ظلها ويأوون إلى كنفها ، بنعمة لا يعرف أحد من المخلوفين لها قيمة لأنّها أرجع من كلّ ثمن ، وأجلّ من كلّ حظّ.
واعلموا أنكم صرتم بعد الهجرة إعرابا ، وبعد الموالاة أحزابا ، ما تنطقون من الإسلام إلّا باسمه ، ولا تعرفون من الإيمان إلّا رسمه إلى أن يقول : ألا وقد قطعتم قيد الإسلام ، وعطّلتم حدوده ، وأمتّم أحكامه ، ألا وقد أمرني اللّٰه بقتال أهل البغي ، والنكث والفساد في الأرض.
ثمّ أخذ يصف حاله مع رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله وسبقه إلى الإسلام ، بقوله : (أنا وضعت في الصغر بكلاكل العرب ، وكسرت نواجم قرون ربيعة ومضر ، وقد علمتم موضعي من رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله بالقرابة القريبة ، والمنزلة الخصيصة ، وضعني في حجره وأنا ولد ، يضمّني إلى صدره ، ويكنفني في فراشه ، ويمسّني جسده ، ويشمني عرفه ، وكان يمضغ الشيء ثمّ يلقمنيه ، وما وجد لي كذبة في قول ، ولا خطلة في فعل ، ولقد قرن اللّٰه به صلىاللهعليهوآله من لدن أن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ، ليله ونهاره ، ولقد كنت اتّبعه اتّباع الفصيل أثر أمّه ، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما ، ويأمرني بالاقتداء به ، ولقد كان يجاور في كلّ سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري ، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله وخديجة وأنا ثالثهما ، أرى نور الوحي والرسالة : وأشمّ ريح النبوة ، ولقد سمعت رنّة الشيطان حين نزل الوحي عليه صلىاللهعليهوآله) (١).
المتقون والفساق وبعض صفاتهم
ثمّ ذكر عليهالسلام في آخر النص السابق عتوّ قريش على رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله ، وطلبهم منه أن يدعو لهم شجرة كانت أمامه صلىاللهعليهوآله أن تأتيه ، فلما أتاهم بها أعرضوا كفرا وعتوا.
والإمام في خطبة أخرى نقل لنا صفات المتّقين والفساق ممّا يمكن أن يكون فيهما إشارة إلى الصنفين في عهده ، فقال عليهالسلام في صفة المتقين :
__________________
(١) نهج البلاغة : ٢٩٨ / ضمن ط ١٩٢.