عليه النعمان بن بشير الأنصاري (١) ، ولا ننس أنّ مثل هذا الرأي كان قد صدر عن عثمان قبله.
ولما وصلت النوبة إلى يزيد بن معاوية ، تبدّل الخلاف الفقهي والعقائدي والسياسي من مجرّد معارضته فقهية إلى مواجهة مسلحة صارخة بين الأنصار والمتعبدين من جهة ، وبين الأمويين القرشيين والمجتهدين من جهة أخرى.
وتوحدت جبهة الهاشميين والأنصار المتعبدين ضدّ مشروع معاوية القاضي باستخلاف يزيد فلمّا كتب معاوية إلى سعيد بن العاص واليه على المدينة يأمره بأخذ البيعة ، قال الراوي : فأبطأ الناس (الأنصار وهم عظم سكان المدينة) عنها .. لا سيما بني هاشم .. وكتب سعيد بن العاص إلى معاوية : .. وإنّي أخبرك أنّ النّاس عن ذلك بطاء ، لا سيما أهل البيت من بني هاشم ، فإنّه لم يجبني منهم أحد (٢).
وكان محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري من وفد أهل المدينة ، قال لمعاوية حين استشهارهم في بيعة يزيد : إنّ كل راع مسئول عن رعيته ، فانظر من تولّي أمر أمة محمد؟! فأخذ معاوية بهر (٣).
واضطر معاوية لاقناع أهل المدينة والأنصار أو اخضاعهم لبيعة يزيد أن يرحل رحلتين من الشام إلى المدينة ، الأولى في سنة ٥٠ ه ، استعمل فيها أسلوب اللين والمخادعة والترغيب ، والثانية في سنة ٥١ ه ، استخدم فيها أسلوب العنف والإجبار والترهيب ، وكان معه الف فارس ، وهدّد معاوية وقال : لأقتلنّهم إن لم يبايعوا. هذا ، وكان أهل المدينة يكرهون يزيد (٤).
فنتيجة لكل هذا وصلت الأمور إلى ذروتها في زمن حكم يزيد ، فحدثت وقعة الحرّة ، حيث لم تخضع المدينة المنوّرة بزعاماتها الأنصارية للمسار الأموي ، حتّى أنّ زعيمهم عبد اللّٰه بن حنظلة الغسيل قال : واللّٰه ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمي بالحجارة من السماء ، إنّه رجل ينكح الأمهات والبنات والأخوات ، ويشرب
__________________
(١) الدر المنثور ٢ : ١٣٧.
(٢) الإمامة والسياسة ١ : ١٤٤ ـ ١٤٦.
(٣) الكامل ٣ : ٢١ ـ ٢١٦. العقد الفريد ٢ : ٣٠٢ ـ ٣٠٤.
(٤) تاريخ دمشق ٦ : ١٥٥.