إلى تصريح النبي صلىاللهعليهوآله بوجوب الغسل بل إنّهم استفادوا من جملة (ويل للأعقاب من النار) للدلالة على الغسل ، ولا دلالة فيها على المطلوب.
ولا أدري كيف فهم الأعلام دلالتها على الغسل مع وضوح كونها مجملة جدا.
والإنصاف إنّ هذه الرواية لا يمكن الركون إليها من الناحية الاستدلالية وفي كلام إعلامهم ما يشير إلى هذا وإليك بعض أقوالهم :
قال النووي :
وقوله صلىاللهعليهوآله : (ويل للأعقاب من النار) ، فتواعدهما بالنار لعدم طهارتها ولو كان المسح كافيا لما تواعد على ترك غسل عقبيه ، وقد صح من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنّ رجلا قال :
يا رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله كيف الطهور .. ثم عقّب النووي الرواية بقوله : هذا حديث صحيح أخرجه أبو داود وغيره بأسانيدهم الصحيحة واللّٰه أعلم (١).
وكلام النووي يشعر بأنّ «ويل للأعقاب من النار» لا تكفي للدلالة على وجوب غسل الرجلين لقوله : (وقد صح من حديث عمرو بن شعيب). وهذا يعني أنّه فسّر المجمل (ويل للأعقاب) بما هو مبين له وهو حديث عمرو بن شعيب ، ومنه نستشعر بأنّ (ويل للأعقاب) مجملة حتى عند النووي ، هذا شيء.
والشيء الآخر هو أنّ قوله (ولو كان المسح كافيا لمّا تواعد على ترك غسل عقبيه) يدل على مشروعية المسح ، لأنّه صلىاللهعليهوآله حينما لم ينههم وقد رآهم قد مسحوا فهو تقرير منه صلىاللهعليهوآله على مشروعية المسح ، أمّا قوله (ويل للأعقاب) فليس نهيا عن المسح بل إرشاد إلى الحيطة في الأعقاب ، لأنّها معرضة للنجاسة ، فتوعدهم بالنار لإمكان بطلان صلاتهم لو لم يغسلوا تلك الأعقاب النجسة.
وهناك أمر ثالث أشار إليه النووي وهو صحة إسناد عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، فإنّا نتعجب منه كيف يحكم بصحة الإسناد إلى عمرو بن شعيب وقد عرّفناك بأنّ الحكم بصحة تلك الأحاديث أمر لا يساعد عليه البحث العلمي.
__________________
(١) شرح صحيح مسلم للنووي (٣ ـ ٤) : ١٣١ ح ٩ ، قاله في معرض شرحه لحديث عائشة.