«ولعل قائلا يقول : أمّا ما ذكرت من احتمال أن تكون هذه الروايات الإسرائيلية مختلقة ، موضوعة على بعض الصحابة والتابعين ، فهو إنّما يتجه في الروايات التي سندها ضعيف أو مجهول ، أو وضاع ، أو متهم بالكذب ، أو سيئ الحفظ ، يخلط بين المرويات ، ولا يميز ، أو نحو ذلك ، ولكن بعض هذه الروايات حكم عليها بعض حفاظ الحديث بأنّها صحيحة السند أو حسنة السند ، أو إسنادها جيد ، أو ثابت ، أو نحو ذلك فما تقول فيها؟
والجواب : أنّه لا منافاة بين كونها صحيحة السند أو حسنة السند أو ثابتة السند ، وبين كونها من إسرائيليات بني إسرائيل وخرافاتهم ، وأكاذيبهم ، فهي صحيحة السند إلى ابن عباس ، أو عبد اللّٰه بن عمرو بن العاص ، أو إلى مجاهد ، أو عكرمة ، أو سعيد بن جبير وغيرهم ، ولكنّها ليست متلقاة عن النبي ، لا بالذات ولا بالواسطة ، ولكنّها متلقاة من أهل الكتاب الذين أسلموا ، فثبوتها إلى من رويت عنه شيء ، وكونها مكذوبة في نفسها ، أو باطلة ، أو خرافة شيء آخر ..» (١).
وقال في مكان آخر : «ويوغل بعض زنادقة أهل الكتاب فيضعون على النبي خرافات في خلق بعض أنواع الحيوانات التي زعموا أنّها مسخت ، ولو أنّ هذه الخرافات نسبت إلى كعب الأحبار وأمثاله أو إلى بعض الصحابة والتابعين لهان الأمر ، ولكن عظيم الإثم أن ينسب ذلك إلى المعصوم ، وهذا اللون من الوضع والدس من أخبث وأقذر الكيد للإسلام ونبي الإسلام» (٢).
وقال عند بيانه الإسرائيليات في بناء الكعبة (البيت الحرام والحجر الأسود) وبعد نقله خبرا عن عبد اللّٰه بن عمرو بن العاص ، قال :
(قال ابن كثير : إنّه من مفردات ابن لهيعة ، وهو ضعيف ، والأشبه واللّٰه أعلم أن يكون موقوفا على عبد اللّٰه بن عمرو بن العاص ، ويكون من الزاملتين اللتين أصابهما
__________________
(١) الاسرائيليات وأثرها في كتب التفسير : ٩٦.
(٢) الاسرائيليات وأثرها في كتب التفسير : ١٦٦ ـ ١٦٧.