ولنا على كلام ابن حجر عدة ملاحظات :
الأولى : إنّ هذه الدعوى تحكّم على الباقين من أهل العلم ـ ممن هم من غير الجماعة ـ وسلب لأدوارهم في إبداء النظر ، فلو احتجّ الجماعة براو طعن فيه يحيى بن سعيد القطّان أو العجلي أو أحمد بن حنبل أو يحيى بن معين أو ابن عدي أو الساجي أو الذهبي أو غيرهم ، فإنّه يلزم منه ـ على ضوء قول ابن حجر ـ أنّ طعنهم لغو لا اعتبار به ، وهذا ما لا يلتزم به ابن حجر نفسه.
الثانية : لو تنزّلنا وقبلنا قول ابن حجر فإنّ اعتماد الجماعة على راو يكون حجّة على الجماعة لا على غيرهم ، اللّٰهم إلّا أن يقال أنّ الأمّة قد أجمعت على الاحتجاج بما اعتمده الجماعة فقط ، وهذا ما لا يقول به ابن حجر ، بل يلزم منه القول أنّ هؤلاء الأعلام كـ (يحيى بن سعيد القطان والعجلي وأحمد و ..) وغيرهم كانوا قد خالفوا إجماع الأمّة.
أضف إلى ذلك أنّ الإجماع لا يقوم بالجماعة (البخاري ، مسلم ، الترمذي ، أبو داود ، النسائي ، ابن ماجة) فقط ، بل يشمل غيرهم من أساطين العلم وأئمّة النظر على أنّ الرواة الذين احتجّ بهم الجماعة وخالفهم الباقون من أهل العلم كثيرون ، ولو شئنا لأفردنا في ذلك كتابا.
الثالثة : إنّ دعوى ابن حجر منتقضة بعدّة رواة قد صرّح ابن حجر نفسه باعتماد الجماعة عليهم والاحتجاج بهم ، مع أنّ النسائيّ ـ وهو أحد الجماعة ـ قد جرحهم كـ (شريك بن عبد اللّٰه بن أبي نمر) الذي قال عنه النسائي : ليس بقوي (١) ، ومثله قوله في حاتم بن إسماعيل
__________________
(١) أنظر تهذيب الكمال ٢ : ٤٧٥ وهامش ص ٤٧٧ ، ديوان الضعفاء ١ : الترجمة ١٨٧٧ ، المغني في الضعفاء ١ : الترجمة ٢٧٦٣ ، ميزان الاعتدال ٢ : الترجمة ٣٦٩٦ ، ضعفاء ابن الجوزي ٢ : ٤٠ ، الضعفاء للعقيلي ٢ : ١٩٣ ، ومقدمة فتح الباري : ٤٠٨.