فصل وأمّا عزير عليهالسلام فاختلف النّاس في نبوّته لكونه لم ينصّ عليه الكتاب.
والأظهر إثبات نبوّته بدليل قوله تعالى : (وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً) [آل عمران : ٣ / ٨٠]. وهذا خطاب لليهود والنّصارى. واليهود عبدت عزيرا بنصّ الكتاب. وممّا يدلّ على نبوّته أيضا من الكتاب أنّه ذكر مع الأنبياء في معرض الفضيلة والإكرام في موطنين ، ذكره تعالى مع إبراهيم عليهالسلام في إحياء الموتى لهما.
وذكره مع عيسى عليهالسلام في أن عبد من دون الله.
وسبب هاتين القصّتين نذكره الآن بعون الله تعالى.
جاء في الأثر أنّه كان في بني إسرائيل من بعد موسى عليهالسلام ، نبيّا ، وكان اسمه دانيال ، وإنما سمّي عزيرا لكثرة تعزير (١) اليهود له وإعظامهم لقدره عليهالسلام. ثم غلوا في تعظيمه حتى عبدوه. وسبب ذلك لأن أماته الله مائة سنة ثم أحياه ، وأراه الآية في طعامه وشرابه الّذي مرّت عليه مائة عام ولم يتسنّه ، أي لم يتغيّر ، وفي حماره الّذي أماته معه وتبدّدت أجزاؤه ، ثم أنشرت وجمعت وحييت وهو ينظر إلى ذلك كلّه.
فقال الجهلة : لم يختصّه بهذه الكرامات إلاّ لأن كان ولده فعبدوه (٢) تعالى الله عمّا يصفون.
فلمّا طغى بنو إسرائيل وقتلوا الأنبياء بغير حقّ ، وبدّلوا أحكام التّوراة وأخبارها ، سلط الله عليهم بخت نصّر البابلي (٣) ، وكان مجوسيا فأتى إلى مدينة بيت
__________________
(١) التعزير هنا : النّصر والاحترام والحياطة. وفي سورة [الأعراف : ٧ / ١٥٧] (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ) أي وقّروه ونصروه.
(٢) فذلك قولهم : (عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ) تعالى الله عمّا يقول الكافرون علوّا كبيرا.
(٣) للمؤرخين هنا روايات : ـ وفي قصص الأنبياء (ابن كثير) قال أبو عبيدة القاسم بن سلام حدّثنا عبد الله بن صالح عن الليث عن يحيي بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال : قدم بخت نصّر دمشق فإذا هو بدم يحيى بن زكريا يغلي ـ