لا تدري كيفيّة العبادة فهداك لها بالأمر والنّهي ، ثم قال له : (بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ) [يوسف : ١٢ / ٣].
والجاهل لا يسمّى غافلا حقيقة لقيام الجهل به ، فصحّ أنّ ضلال الأنبياء عليهمالسلام غفلة لا جهل.
وقال بعض مشايخ الصّوفيّة : (وجدك ضالا) أي محبّا له (١) ، (فهدى) أي اختصّك لنفسه خصوص الهداية والصّحبة.
يعضد ذلك ما أخبر تعالى عن إخوة يوسف عليهالسلام : (إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [يوسف : ١٢ / ٨] أي في حبّ مبين ليوسف ، وكذلك قولهم له بعد ذلك : (تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ) [يوسف : ١٢ / ٩٥]. أي في حبّك القديم له ، ومن أسماء المحبّة عند العرب : الضّلال.
ومع ما ذكرناه في هذه القصّة من تبرئة موسى عليهالسلام من الذّنب في قتل الكافر أنّ قتله كان خطأ. فإنّه ما طعنه بحديدة ولا رماه بسهم ، ولا ضربه بفهر (٢) ولا بغيره ، وإنما وكزه ، وما جرت العادة بالموت من الوكزة ، وإن مات منها أحد فنادر ، والنّادر لا يحكم به. فقد تبرّأ موسى عليهالسلام من الذّنب في قتل الكافر براءة الذئب من دم ابن يعقوب عليهماالسلام!.
__________________
(١) في الجامع لأحكام القرآن للقرطبي : وقيل : ووجدك محبّا للهداية ، فهداك إليها. ويكون الضلال بمعنى المحبّة. ومنه قوله تعالى : (قالُوا تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ) أي في محبّتك قال الشاعر :
هذا الضّلال أشاب منّي المفرقا |
|
والعارضين ولم أكن متحقّقا |
عجبا لعزّة في اختيار قطيعتي |
|
بعد الضلال فحبلها قد أخلقا |
(٢) الفهر : الحجر يملأ الكفّ.