وهذا أوسع في عذر موسى عليهالسلام ، إذ لم يكن مشروعا له عند ما قتله ، وإن كان قد التزم شريعة يوسف عليهالسلام على وجه من الوجوه ، فتخرّج له على الوجه المتقدّم.
وأما قولكم : إن الله تعالى عاتبه عند المناجاة على قتل القبطيّ فباطل ، وإنّما عدّد ربّه تعالى عليه في ذلك المقام الكريم نعمه السّالفة عليه وآلاءه العميمة في قوله تعالى : (إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ) [طه : ٢٠ / ٣٨ ـ ٣٩] إلى قوله تعالى : (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) [طه : ٢٠ / ٤١] ثم ذكر له من جملتها كيف نجّاه من كيد فرعون ، وغمّ كان في قلبه من أجل طلبه إياه حين فرّ بنفسه منه.
ولو عاتبه ربّه على ذلك لخرج له مخرج ما قدّمناه من عتاب الله تعالى لأنبيائه على بعض المباحات ، من غير أن يلحق بهم ذنب ولا عتب.
وأمّا قوله عليهالسلام لفرعون : (فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) فيعني به : أنه كان عند ما قتله من الغافلين الغير مكلفين (١) ، فكأنه يقول له : فعلتها قبل إلزام التكليف ، وإذ كنت غير مكلّف فلا تثريب عليّ ، فإنه لا يقع الذّنب والطّاعة إلا بعد ثبوت الأمر والنّهي ، والدليل على أنّ ضلال الأنبياء غفلة لا جهل قوله تعالى لنبينا عليهالسلام (٢) : (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) [الضحى : ٩٣ / ٧] يعني غافلا عن الشّريعة
__________________
(١) الفصيح أن يقال غير المكلفين ، ورووا : الغير المكلّفين.
(٢) ووجدك ضالا : أي غافلا عمّا يراد بك من أمر النبوة ، فهداك أي فأرشدك. والضلال هنا بمعنى الغفلة ، كقوله تعالى : (لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى) أي لا يغفل. وقال في حقّ نبيّه (وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ).
ـ وقال قوم : ضالا : أي لم تكن تدري القرآن والشرائع فهداك الله إلى القرآن ، وشرائع الإسلام ، وهو معنى قوله تعالى : (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ).
ـ وقال قوم : أي في قوم ضلال ، فهداك إلى إرشادهم.
ـ ورويت وجوه أخرى كثيرة (القرطبي ٢٠ / ٩٦ ـ ٩٩).