[القصص : ٢٨ / ١٥] ، فخرج من مضمون هذا أنّ موسى عليهالسلام وكز الكافر العدوّ (١) لأجل كفره لا لغير ذلك ، إذ ليس لله تعالى شيعة ولا قرابة ، سبحانه وتعالى ، وقد أثبت لنفسه عدوا.
فإن قيل : فإذا كان هذا هذا ، فلم ندم على قتله وتحسّر واستغفر ربّه ، وغفر له ، ومع هذا يمتنع يوم القيامة من الشّفاعة (٢) لأجل هذا المقتول ، ويقول معتذرا ومعترفا : «قتلت نفسا لم يأمرني الله بقتلها» وأيضا فإنّ الله تعالى عاتبه في الدنيا عند المناجاة فقال له : (وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِ) [طه : ٢٠ / ٤٠].
فكيف يعاتب كليمه على قتل كافر؟!.
وأيضا فقد قال هو لفرعون حين عرّض له بقتل القبطي فقال : (وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ. قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) [الشعراء : ٢٦ / ١٩ ـ ٢٠].
فنقول : أمّا قولكم : لم ندم وتحسّر واعتذر واستغفر ، وغفر له فهذا من النّمط الذي قدّمناه في حقّ غيره من الأنبياء عليهمالسلام أنهم يتحسّرون ويندمون ويستغفرون على ترك الأولى من المباحات. فلا فائدة في إعادة تفصيل ما فرغنا من جملته وتفصيله.
على أنّ ندم موسى عليهالسلام لم يكن على مباح ، وإنما كان ندمه على فعل لم.
يؤمر به. والأفعال قبل الشّرع إنّما هي مطلقة لا غير ، فإن المباح يقتضي مبيحا ، فإذا لم يثبت شرع فلا مباح ولا مبيح.
__________________
(١) قيل في معنى (وكزه) : دفعه وضربه. و: طعنه بجمع كفّه. و: ضربه بجمع يده على ذقنه. و:نخسه ، قال الزجاج : الوكز : أن يضرب بجمع كفّه.
(٢) إشارة إلى حديث الشفاعة يوم القيامة ، وقد سبق انظر فهارس الكتاب.