وهو لم يمتّ إلى قريب في اللّسان لأنّ الآل أقرب في اللّسان للبنوّة من الأسباط ، لكن (الآل) تحتمل البنين وتحتمل التّبع (١) ، قال تعالى : (أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) [غافر : ٤٠ / ٤٦] أي تبعه. وفي السّنّة (٢) : «اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آله وأزواجه وذرّيته» فذكر الآل ثم ذكر الذّرية. فلو كان الآل من الذريّة لم يصحّ العطف.
فإن قيل : ولعلّ ذكر الذرية بعد ذكر الآل تخصيص التّشريف كما قال تعالى : (وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ) [البقرة : ٢ / ٩٨].
قلنا : إذا بقيت (لعلّ) فقد تطرّق الاحتمال واطّرد الإشكال. والنّبوّة لا تثبت بالاحتمال. ويحتمل أن يكون التّمام على الآل بما دون النّبوة من الولاية والصّدقيّة ، وإذا دخلت هذه الاحتمالات لم يصحّ القطع على نبوّتهم في هذه الآية ، ومع تسليم هذه التقديرات جدلا فلا تصحّ نبوتهم عند مواقعة الأفعال التي ذكر تعالى عنهم أصلا ، فإنه كان يؤدّي إلى أن يجوز على أنبياء الله عزّ وجلّ كلّ ما فعلوه لصحّة التّساوي الّذي قدّمناه. فهذا ـ رحمكم الله ـ هو الحقّ الذي يرغب فيه ولا يرغب عنه.
وبعد هذا التتبّع فلا يبقى لقائل مستروح (٣) إلى ثبوت نبوّتهم إلا من هذه الوجوه المتقدّمة ، وهي مظنونة ولا سبيل إلى القطع في واحد منها. فالله الله أيّها المسترشد المحتاط على دينه إن لم تكن من أهل النّظر القويم على الصّراط المستقيم ، فما كلّ سوداء تمرة ولا كلّ بيضاء شحمة (٤)!.
__________________
(١) اللسان (أول).
(٢) في صحيح مسلم ١ / ٣٠٦.
(٣) أي مستند واحتكام.
(٤) المثل في مجمع الأمثال ٢ / ٢٨١.