الذي نبّهك الله عليه في التّضعيف إنما هو أسّ شرعيّ في عدد الأجور بمثابة الواحد في العدد ، فأخبرك الله تعالى أنّه جعل أقلّ الأجور في التّضعيف عشرة ، ثم زاد إلى سبع مائة ، ثم زاد إلى أن يوفّى الصّابرون أجورهم بغير حساب ، يعني عندهم لكونهم لا يطيقون حصره ، فإنّ كلّ ما خلق الله تعالى يجب أن يكون عنده معدّدا محاطا به على التّفصيل كما قال تعالى : (وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) [الجن : ٧٢ / ٢٨].
فصل
ولما استغرق العدد في أمر الصلاة سائر الطاعات لم نتعرّض لعدد طاعات الطّهارة لحصول المقصود في الكثرة ، على أنّ هذا العدد ـ على كثرته ـ إنّما هو فيما هو في وسع البشر. وأمّا ما هو في معلوم الله تعالى من عدد الحركات والأصوات والعلوم والنّيّات وانتقال أجزاء جسم المصلّي في الأحياز والجهات بجملة هذه الأعراض التي لا يصحّ بقاؤها ، فهو عدد ينفرد الباري تعالى به دون الخلق ، وكلّ واحد منها عمل في معلوم الله تعالى معدّد ، خلقه في المكلّف وأضافه إليه عملا وكسبا فقال تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة : ٩٩ / ٧ ـ ٨] وقال تعالى : (وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) [النساء : ٤ / ٤٩] ، (وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً) [النساء : ٤ / ١٢٤] أي لا ينقصون ولا يبخسون وقال تعالى : (وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) [الطور : ٥٢ / ٢١] ، وقال : (لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصاها) [الكهف : ١٨ / ٤٩]. وقال تعالى : (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ. وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ) [القمر : ٥٤ / ٥٢ ـ ٥٣] ومجموع هذه الآي تدلّ على أنّ كلّ عرض عمل برأسه يقع الجزاء عليه تفصيلا ، فلا يظنّ أنّ السّجدة مثلا عمل واحد له عشر من الأجور ، بل كلّ عرض فرد في كل جزء فرد من الإنسان عمل برأسه ، له عشر حسنات تفضّل بها علينا أكرم الأكرمين ، ثم إذا كان هذا التضعيف يصح للفذّ ، فما ظنّك به في حقّ المصلّي في