ورؤية التّقصير فيها بعد الفراغ منها.
كان الحسين بن علي ، رضي الله عنهما ، إذا توضّأ للصّلاة تغير لونه واضطربت فرائصه (١) ، فسئل عن ذلك فقال : أتدرون بين يدي من أقف! أتدرون من أخاطب؟!
فهذا هذا ، وأنّى لنا بذلك ، ومن أين؟ وحسبنا ما نعلم من تفريطنا وغفلتنا.
وإذا صحّت هذه ، وقلّ ما تصحّ ، فالأمر بعد موقوف على السّابقة. ولا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم.
(قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس : ١٠ / ٥٨].
فصل
وأما أنت أيها التارك البطّال المنهمك في غلواء التّعطيل ، المرتبك (٢) في طماعية الأمل المخيل (٣) ، الذي يسمع الأذان في كلّ يوم وليلة خمس مرّات ، وأنت وادع القلب مطمئنّ الجوارح لا تصحو من سكرتك ، ولا تتيقّظ من غامض غفلتك ، كأنّك لم تفرض عليك ، وكأنّ المطلوب بها غيرك. ولتعلم أنّ كل ما سبق من أفراد العدد في الأعمال الصالحة المفروضة عليك مثل عددها من الآثام في التّرك ، لكون جزاء السيئة بمثلها.
وأنت مع ذلك في دنياك : أبطش من عقاب (٤)! وأحذر من غراب (٥)! ذئب
__________________
(١) الفرائص : جمع الفريصة ، وهي اللّحمة بين الجنب والكتف.
(٢) ربك فلانا : ألقاه في وحل فارتبك فيه واضطرب.
(٣) المخيل : المخادع ، وأصله في السّحاب الذي تحسبه ماطرا فيخلف.
(٤) من أمثال العرب : (أبصر من عقاب) و (أبطش من دوسر) ، ودوسر إحدى كتائب النعمان بن المنذر. انظر جمهرة الأمثال ١ / ٢٣٩ و ١ / ٢٥٣.
(٥) جمهرة الأمثال ١ / ٣٩٦.