قال تعالى بعد ما ذكر الحكم والعلم : (وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ) [يوسف : ١٢ / ٢٣].
وأمّا همّه فأوّل ما ينبغي أن نقدّم أنّ الهمّ في اللّسان : الإرادة لا غير ، فإن سمّي الفعل همّا فمجاز من باب تسمية الشّيء باسم الشّيء إذا قاربه أو كان منه بسبب ، فلمّا كانت الأفعال مرتبطة بالإرادة التي هي الهمّ سمّيت همّا. فيقال لمن نصب أواني الخمر وما يحتاج إليه شرابها : همّ ، وكذلك يقال لمن خلا بامرأة فلاعبها ، وذلك لأنّ الهمّ الحقيقيّ محلّه القلب ، وهو غير محسوس ، فلمّا لم ندركه بالحواسّ لم نعلمه ، فإذا أدركنا أسبابه الدالّة عليه بالحواسّ قلنا : همّ ، أي فعل أفعالا دلّت على همّه بها في باطنه ، فثبت أنّ الهمّ الحقيقيّ هو الإرادة لا الفعل.
جاء في الصحيح عنه ـ عليهالسلام ـ أنه قال (١) : «من همّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة ، فإن عملها كتبت له عشرا ، ومن همّ بسيّئة فلم يعملها لم تكتب شيئا ، فإن عملها كتبت سيّئة واحدة».
فهذا أدلّ على أنّ الهمّ غير الفعل ، قال الشاعر (٢) :
هممت ولم أفعل وكدت وليتني |
|
تركت على عثمان تبكي حلائله!! |
فأخبر أنّه همّ ولم يفعل (٣) ، وإذا كان هذا هكذا فما بال الجهلة باللّسان المقلّدين
__________________
(١) في صحيح مسلم ١ / ١٤٧ في حديث الإسراء.
(٢) البيت لعمير بن ضابئ بن الحارث البرجمي ، في الكامل في الأدب ٤٩٦ ، ٥٠٣ ، وانظر تخريجاته.
والشاعر من رجال القرن الأول توفي سنة (٧٥ ه) ، وأبوه ضابئ شاعر خبيث اللسان كثير الشر سجنه عثمان رضياللهعنه لقتله صبيا بدابته ، ثم سجنه لإطلاق لسانه بهجاء قوم من بني نهشل ، ومات ضابئ في السجن ، فلما كان يوم الدّار دخل عمير بن ضابئ يوم مقتل عثمان رضياللهعنه ووطئه برجله ، وقد علم الحجّاج بما فعله عمير في زمانه الأوّل فأمر بقتله.
ـ والحلائل جمع الحليلة وهي الزّوجة.
(٣) في اللسان : الهمّ : (ما همّ) به في نفسه. ـ