أدرك زوّجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم زينب المذكورة. وبقي معها حتّى أمر الله تعالى نبيّه عليهالسلام أن يتزوّجها ؛ أو أخبره به كما سيأتي في شرح الآية ، إن شاء الله تعالى.
وما تقوّله المنافقون والجهلة المجازفون من أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم رآها وأحبّها وشغف بحبّها حتى كان يضع يده على قلبه ويقول : يا مقلّب القلوب ثبّت قلب نبيّك! ويدخل عليه زيد المسجد ويقول : «ادن منّي يا زيد» ، شوقا إليها! ، إلى غير ذلك من هذيانات لا يرضاها صلحاء المسلمين لأنفسهم فكيف سيّد المرسلين (١)!؟ فكلّ ذلك باطل متقوّل (٢).
وكذلك قولهم : إنّه ـ عليهالسلام ـ رآها فأحبّها ، تخرّص وزور ، وكيف وقد تربّت في حجر رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتّى زوّجها لزيد ، على أنّه لو أحبّها كما اختلقوه لم يدركه في ذلك لوم فإن الحبّ أمر ضروريّ لا يدخل تحت الكسب ، جاء عنه صلىاللهعليهوسلم أنه قال (٣) : «اللهمّ إنّي عدلت فيما أملك فاغفر لي ما لا أملك». يعني : عدلت فيما أكسب فاغفر لي ما لا أكسب ، فلم يكره العقلاء الحبّ إلاّ لما يكون معه للمحبّين من الطّيش ، والميل ، والذّكر بما لا ينبغي ، وطلب الظّفر بالمحبوب على الوجوه الفاسدة.
وهذه الأمور كلّها لا تليق بصلحاء المسلمين ، فكيف بسادات المرسلين المعصومين ممّا دون ذلك كما تقدم؟!
__________________
(١) تنظر في المطوّلات من كتب التفسير ، ومنه في القرطبي ١٤ / ١٨٨ ـ ١٩٦.
(٢) قال القرطبي في التفسير ١٤ / ١٩١ (فأمّا ما روي أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم هوي زينب امرأة زيد ـ وربّما أطلق بعض المجّان لفظ عشق ـ فهذا إنما يصدر عن جاهل بعصمة النبي صلىاللهعليهوسلم عن مثل هذا ، أو مستخف بحرمته).
(٣) ورد الحديث في مسند الإمام أحمد ٦ / ١٤٤ برواية أخرى ، من حديث عائشة رضي الله عنها ، قالت :«كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقسم بين نسائه ، فيعدل ... ثم يقول : اللهمّ هذا فعلي فيما أملك ، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك».
وقول المؤلّف : (فإنّ الحبّ أمر ضروريّ) أي فطريّ.