واسطة ، إذ من الأنبياء غير مكلّمين ، قال الله تعالى : (مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ) [البقرة : ٢ / ٢٥٣] ، فكيف يكون آدم عليهالسلام مكلّما على هذه الوجوه كما تقدم ، ثم يقع في مثل هذه الجهالات قاصدا متعمّدا ، حاشى وكلا! فيا لله لما يرتكبه الجاهل من نفسه ، من حيث لا يشعر!
فخرج من مجموع ما ذكرناه ، أنّه أكل منها ناسيا ، وعوتب على نسيانه الوصيّة ، إذ لو كان مراقبا لم ينسها على مجرى العادة ، فهذا هو الحقّ الذي يرغب فيه ولا يرغب عنه ، ولا يصحّ أن يعتقد في حقّه ، ولا في حق نظرائه من النّبيين والمرسلين سوى ما ذكرناه ، أو ما يضاهيه من الشّروح التي لا تخلّ بقدره ، ولا تغضّ من جاهه واجتبائه واصطفائه كما أخبر تعالى عنه.
فإن قيل : ولعلّه أكل منها غير قابل لمكيدة الشّيطان ، ولا رادّ لوصيّة ربّه وإرشاده إياه ، أو ناسيا لمكيدة الشّيطان عالما بوصيّة ربه ، لكن لشهوة غلبت عليه ، حتى هان عليه الخروج من الجنّة ، لتحصيل تلك الشّهوة!.
قلنا : هذا لا يصحّ في حقّه عليهالسلام ، لأنه مؤذن بضعف عقل فاعله وشدّة شرهه وسوء رأيه ، وقلّة علمه ، والتقحّم على خسيس الشّهوة رضى بالنّقمة. وليست هذه أخلاقه ولا شيمته ، بل كان رأس العقلاء ، ورئيس الحكماء ، ومعلّم الملائكة ، ولو حكي هذا عن عاقل من لفيف الناس لاستبعد في حقه ، فكيف في حقّ من كلّمه الله بلا ترجمان على جهة الإكرام؟ فلم يبق إلا أن النّسيان الذي أخبر الله عنه ، وعدم العزم ، إنّما كان في أمر أكل الشّجرة لا غير.
فهذا هذا ، ولم يبق بعد الخروج عن هذه الإلزامات في أنه أكل منها ناسيا مطعن لطاعن. والله أعلم.