ولتعلموا ـ أرشدنا الله وإياكم ـ أنّ هذه النّكتة الغريبة في أمر النّسيان ، الذي خلّص هذه القصّة من التخيّلات الفاسدة ، والآراء المضطربة ، قد تقدّم إليها غير واحد من العلماء وذكرها ، لا سيما مشايخ الصّوفية ، فإنّهم على هذه القولة عوّلوا ، لكنّهم لم يتخلّصوا منها كل التخلّص بل نزّهوه عنها تنزيها جمليا غير مفصّل بمثل هذا التفصيل.
ولقد تحيّرت في إثبات هذا التخلص ، على هذا الوجه منذ سنين لمعارضة هذا النسيان ، بذكر المعصية والغواية والظّلم ، حتى تذاكرت يوما فيها مع الفقيه العالم المتفنّن أبي العباس أحمد بن محمّد اللّخمي (١) أدام الله كرامته ـ فكان منه في درج المذاكرة ما يليق بمثله من التّنبيه فيها على بعض نكت نادرة مؤيّدة بالتّوفيق الربّاني ، فثلج بها الصّدر إذ لا يصح سواها كما قدمناه.
وأخبرني مع ذلك أنه أتعبه النّظر في حلّ مشكلاتها مدة طويلة ، حتى فتح عليه ، فشارك بحمد الله ، وأعان على ما كان تعذّر منها ، بارك الله له فيما منحه ، وبارك لنا في حياته وبقائه وصحّة معاملته ومعونته.
فانظر أيّها اللّبيب الفطن إليها ، نظر المتناصف ، ولا تعدل عن هذا الشّرح إلى سواه ، لئلا يفتح عليك باب من الفساد ولا يمكنك سدّه ، فإنه إذا جوّزت عليه المعصية المنهيّ عنها شرعا جازت على من بعده من الأنبياء عليهمالسلام. وإذا لم تجز عليه فأحرى ألاّ تجوز على من بعده منهم ، لكونهم لم يذكر لواحد منهم معصية في الكتاب ولا في السّنّة ضمنا ولا تصريحا ، ولا يجوز وقوعها عليهم كما قدّمناه.
__________________
(١) الإشارة هنا إلى أحد أئمة المغرب والأندلس في وقته ، وهو أبو العبّاس أحمد بن محمّد اللّخمي العزفي (أو ابن أبي عزفة) ، والد أبي القاسم العزفي مؤسّس إمارة العزفيّين بمدينة سبتة. لزم التدريس بجامع سبتة مدّة حياته ، وله مؤلفات في بعض العلوم الإسلاميّة ، وأثنى عليه تلامذته والذين ترجموا له بغزارة العلم وكثرة السّماع عن العلماء.
ـ وكانت وفاة العز في سنة (٦٣٣). ينظر برنامج شيوخ الرعيني ٤٢ ـ ٤٣ وإحالاته.