ثم إنّ الله تعالى لطف بآدم عليهالسلام ، في أكله من الشّجرة بعد النّهي عنها ، من ستة أوجه :
أحدها : أنّه لما أسجد له ملائكته على جلالة قدرهم ، وصيّره قبلة لهم ومعلّما ، لطف بقلبه ألا تخطر به لفتة عجب ، فامتحنه بأكل الشجرة ، فلمّا أكل منها عوتب عليها فتواضع.
الثاني : أنّه كان منبسطا ، فلمّا أكل منها انقبض ، فسلم من وهلات البسط ، لأن الله تعالى لا يعامل إلا بالخوف والقبض.
الثالث : أنّه امتحن التّكليف وكدّ المعيشة في الدّنيا ، ليحصل له مقام الصبر.
الرابع : أنّه رزق من طيّبات ثمراتها ليلتذّ بها ، فيشكر نعم الله تعالى عليه فيجمع بين الصّبر والشّكر.
فإن قيل : فقد كان يتنعّم في الجنّة بأكثر مما يتنعّم في الدّنيا ، قلنا : كان يتنعّم من غير تعب سابق ، ونعيمه في الدّنيا ممزوج بالمشقّة ، والتنعم بعد المشقة يؤكّد خالص الشّكر ، وأيضا فإنّه لم يكلّف في الجنّة كما تقدّم ، فما كان يؤجر على شكر لو وقع منه.
الخامس : أنه لمّا خرج من دار التنعّم والدّعة إلى دار المشقّة والتّكليف صحّت له المعاملة بالكسب ، والدّرجات بالطاعة ، وميزان الجنّة بالعمل.
السادس : أنّه تحصّل له أجور ما ينتهك بعض ذريته من حرمة عرضه في هذه القصّة ، فإنهم يغتابونه في اقتفاء ما ليس لهم به علم ، وكفى بالمرء عقوقا أن ينتهك عرض أبيه.