الله يا يزيد ، أتحبّ محمداً عندنا الآن في مكانك نضرب عنقه وإنّك في أهلك؟ قال : والله ، ما أحبّ أنّ محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه ، وإنّي جالس في أهلي. قال : يقول أبو سفيان : ما رأيت من الناس أحداً يحبّ أحداً كحبّ أصحاب محمد محمداً. ثمّ قتله نسطاس (يرحمه الله). وأمّا خبيب : قال ابن هاشم (١) : قال ابن إسحاق : قال عاصم : ثمّ خرجوا بخبيب حتّى إذا جاؤوا به إلى التنعيم ليصلبوه ، قال لهم : إن رأيتم أن تدعوني حتّى أركع ركعتين فافعلوا. قالوا : دونك فاركع. فركع ركعتين أتمّهما وأحسنهما ، ثمّ أقبل على القوم ، فقال : أما والله ، لولا أن تظنّوا أنّي إنّما طوّلت جزعاً من القتل لاستكثرت من الصلاة. قال : فكان خبيب بن عدي أوّل مَنْ سنّ هاتين الركعتين عند القتل للمسلمين. قال : ثمّ رفعوه على خشبة ، فلمّا أوثقوه قال : اللّهمّ إنّا قد بلّغنا رسالة رسولك ، فبلّغه الغداة ما يُصنع بنا. ثمّ قال : اللّهمّ أحصهم عدداً ، واقتلهم بدداً ، ولا تُغادر منهم أحداً. ثمّ قتلوه (رحمه الله) ، فقال الشاعر في ذلك :
لَعَمري لَقَد شانَت هُذَيلَ بنَ مُدرِكٍ |
|
أَحاديثُ كانَت في`خُبَيبٍ وَعاصِمِ |
فهذا حماهُ اللهُ بالنحلِ منهم |
|
وهذا أتى من بعدِ بيعِ المغانمِ |
والذي حماه الله هو عاصم بن ثابت بن أبي أفلح الأنصاري (رحمه الله) ؛ فإنّه لمّا قُتل حماه الدبر. ذكر ابن هشام قال : وكان عاصم بن ثابت يُكنّى أبا سُليمان ، ثمّ قاتل القوم حتّى قُتل وقُتل صاحباه ، فلمّا قُتل عاصم أرادت هذيل أخذ رأسه ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن شهيد ، وكانت قد نذرت حين أصاب ابنيها يوم اُحد : لَئن قدرت على رأس عاصم لتشربنّ في قحفه الخمر ، فمنعته الدبر. فلمّا حالت بينهم وبينه الدبر قالوا : دعوه حتّى يُمسي فيذهب عنه فنأخذه ، فبعث الله الوادي فاحتمل عاصماً فذهب به. وكان عاصم قد أعطى الله عهداً أن لا يمسّه مشرك ، ولا يمسّ مشركاً أبداً ، فكان عمر بن
__________________
(١) انظر محمد بن عبد الملك بن هشام ٣ / ١٦٥.