إليه جمع من الأعلام كما رأيت حتى لقد أورده ابن الزملكاني ( ت : ٦٥١ هـ ) واعتبر هذه الحروف كالمهيجة لمن يسمعها من الفصحاء ، والموقظة للهمم الراقدة من البلغاء (١).
ويعضد هذا الرأي أمران :
الأول : أن هذه الحروف الهجائية في فواتح السور القرآنية طالما ورد بعدها ذكر القرآن أو الكتاب معظماً مفخماً ، يتلوه الدليل على إعجازه ، والحديث عن الانتصار له ، والإشارة إلى تحديه العالم والأمم والشعوب والقبائل ، مما يؤيد حكمة هذه الأصوات لبيان إعجازه وكماله ، وحسن نظمه وتأليفه ، وسر بقائه وخلوده ، كونه نازلاً من الله ، مستقراً في هذا المصحف الشريف ، دون تصحيف أو تحريف ، أو زيادة أو نقصان ، ريادة في دوامه ، وتعهداً بحفظه وسلامته ، بما أكده الله تعالى : ( إنا نحن نزّلنا الذكر وإنا له لحافظون ) (٢).
الثاني : أن المتتبع لأسباب النزول ، والأحداث التي رافقت قرع الأسماع بهذه الأصوات ، يجد الإيذان بها قد تقاطر سيله بأشد الظروف قسوة على الرسالة الإسلامية ، فكان التحدي قائماً على أشدّه بمثل هذه الأصوات المدوّية في الآفاق.
فما كان منها في السور المكية ، وهي الحقبة التي واجهت بها الرسالة عنفاً وغطرسة وتكذيباً ، فقد جاءت فيه هذه الحروف رداً مفحماً في التحدي الصارخ ، والدليل الناصع على صدق المعجزة.
وما كان منها في السور المدينة ، فقد جاء تحدياً لأهل الكتاب فيما نصبوه من عداء للدين الجديد ، وإنذاراً للمنافقين فيما كادوا به محمداً والذين معه.
إلا أن الملحظ الصوتي الذي نقف عنده للدلالة على التنبيه على صوتية هذه الحروف ، مع كونها إشارات إعجازية في بعض حكمها ، الملحظ هذا : أنها تنطق كنطق كنطقك الأصوات ، ولا تلفظ كلفظك الحروف ، فتقول في قوله تعالى : ( ص ) « صاد » صوتاً نطقياً ، لا حرفاً مرسوماً « ص »
__________________
(١) ابن الزملكاني ، البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن : ٥٧.
(٢) الحجر : ٩.