والذي يتضح من هذا أن الصوت القوي هو الذي يحتل مساحة النطق بدل الصوت الضعيف ، نتيجة الملائمة الصوتية في الأكثر مجاورة واحتكاكاً ، بينما علل « موريس جرامونت » ظاهرة المماثلة بالتفسير العضوي المرتبط بجهاز النطق فيقول : « أما الوجه الذي تتم به الظاهرة فهو ذو طابع خارجي لا يعتمد على جوهر الصوت ، فإذا ما تحدثنا عنه من الوجهة النفسية العضوية لم نجد للمماثلة الرجعية من تعليل سوى إسراع بحركات النطق عن مواضعها ، وبأن المماثلة التقدمية التزام هذه الحركات والجمود عليها .. ومع ذلك فهذه التفرقة ثانوية ، أما الشيء الأساسي فهو أن هناك صوتاً يسيطر على صوت آخر ، وأن الحركة تتم في اتجاه أو في آخر ما إذا كان الصوت المسيطر موجوداً في الأمام أو في الخلف. ولا شك أن الصوت المؤثر هو ذلك الذي تتوفر فيه صفات : أن يكون أكثر قوة ، وأكثر مقاومة ، أو أكثر استقراراً ، أو أكثر امتيازاً ، وأنما تتحد هذه الصفات سلفاً طبقاً لنظام اللغة ، وعلى ذلك يمكن التنبؤ بالوجه الذي تتم عليه ظاهرة المماثلة ، الأمر الذي يستبعد معه هوى المتكلم ، ولتبسيط الأمر يمكننا أن نحدد القضية كلها في كلمة واحدة هي ( القوة ). فالمماثلة تخضع لقانون واحد هو قانون : ( الأقوى ) ... وليست المماثلة ونقيضها المخالفة هما اللذان يخضعان وحدهما له ، تخضع له جميع الظواهر التي يكون فيها تغير الأصوات ناشئاً عن وجود صوت آخر (١).
وهذا يدل على أن مقاومة ما تحدث بين الأصوات في المماثلة ، فيحل الأقوى بدل القوي ، ويتغلب عليه فيصوّت به دونه.
وعلى هذا فالإدغام عند العرب في نوعيه هو الأصل في المماثلة عند الأوروبيين ، إذ يتغلب صوت أولي على صوت ثانوي ، فالصوت الأولي هو الأقوى ، لأنه المتمكن المسيطر على النطق ، وأحياناً يحل محلهما معاً صوت ثالث مجاور يمثل الصوتين السابقين بعد فنائهما ، وتلاشي أصدائهما كما في الابدال.
وكان أبو عمرو بن العلاء ( ت : ١٥٤ هـ ) من أبرز القائلين به في
__________________
(١) عبد الصبور شاهين ، أثر القراءات في الأصوات : ٢٣٣ وانظر مصدره.