وقد انتصر له من المحدثين الأستاذ محمد جمال الهاشمي وترجمه بمنظور عصري ، وأضاف إليه البعد الرمزي فقال :
« إن القرآن في أسلوبه البياني الفذ أراد أن يجذب الأنظار والأفكار ، فافتتح بعض سوره المباركة بهذه الحروف المقطعة فهي أشبه ما تكون بإشارات المحطات العالمية في الراديو حيث تتخذ كل دولة رمزاً خاصاً لها يدل على محطة إذاعتها ، ويميز بينها وبين غيرها من المحطات ، وهكذا القرآن كان يتخذ من هذه الحروف رمزاً مخصوصاً لوحيه يستلفت به الأذهان لتستمع إلى آياته المنزلة بوعي وانتباه ، ولا زالت هذه الهزّة الوجدانية تعتري النابهين من المؤمنين كلما طرقت أسماعهم هذه الحروف الساحرة في تقاطيعها المطربة ، وإنما كان يستعمل هذه الإشارة الحروفية في الحالات الخاصة التي تستدعي الاهتمام ، كما أنه ربما يباري الإنسانية بموضوعه من دون تقدمة وتمهيد حتى بما التزم به من الاستهلال كجملة : بسم الله الرحمن الرحيم ، لأن الموضوع نفسه يستدعي المبادأة والمفاجأة كسورة ( براءة ) ، فالقرآن إنما يجري في مفاتيح سوره مع الظروف المحيطة بتلك السور المباركة ، وإن للحروف المقطعة من التأثير ما لا يخفى على السامع والواعي » (١).
٦ ـ إن هذه الحروف تدعو العرب وتناديهم إشارة إلى إعجاز القرآن ، فهذا القرآن الذي يتلوه عليكم محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ومن جنس كلامكم وسنخ حروفكم ، ومما يتكون منه معجمكم ... ( وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهدآءكم من دون الله إن كنتم صادقين ) (٢) قال أبو مسلم ، محمد بن بحر ( ت : ٣٧٠ هـ ) :
إن المراد بذلك بأن هذا القرآن الذي عجزتم عن معارضته ، ولم تقدروا على الإتيان بمثله ، هو من جنس هذه الحروف التي تتحاورون بها في كلامكم وخطابكم ، فحيث لم تقدروا عليه ، فاعلموا أنه من فضل الله » (٣).
__________________
(١) محمد جمال الهاشمي ، من تفسير القرآن الكريم « بحث ».
(٢) البقرة : ٢٣.
(٣) ظ : الطوسي ، التبيان في تفسير القرآن : ١|٤٨.