فهذا إبدال الهمزة عن الياء والواو وهما أصلان.
وأما إبدالها منهما وهما زائدتان فنحو قولهم : علباء وحرباء (١). وجاء عنهم : رجل عزهاء (٢) ، وأصل هذا كله علباي وحرباي وعزهاي ، ثم وقعت الياء طرفا بعد ألف زائدة ، فقلبت ألفا ، ثم قلبت الألف همزة ، كما تقدم من قولنا في : كساء ورداء.
فإن قيل : ما الدليل على أن الأصل حرباي وعلباي بالياء ، دون أن يكون علباو وحرباو ، بالواو؟
فالجواب : أن العرب لمّا أنثت هذا الضرب بالهاء ، فأظهرت الحرف المنقلب لم تظهره إلا ياء ، وذلك نحو درحاية ودعكاية (٣) ، فظهور الياء في المؤنث بالهاء دلالة على أن الهمزة إنما قلبت في حرباء وعلباء عن ياء لا محالة.
وأما الواو الزائدة التي قلبت عنها همزة فلم تأت مسموعة عنهم إلا أن النحويين قاسوا ذلك على الياء ، لأنها أختها ، وذلك أنّك لو نسبت إلى مثل صحراء وخنفساء لقلت : صحراويّ وخنفساويّ ، فإن سميت بهما رجلا ، ثم رخّمته (٤) على قولهم : يا حر ، وجب بعد حذف ياء النسب أن تقلب الواو ألفا ، لوقوعها طرفا بعد ألف زائدة ، فتصير صحراا وخنفساا ، ثم تبدلت الألف الآخرة همزة ، لأنك حركتها
__________________
(١) الحرباء : دويبة على شكل سام أبرص ذات قوائم أربع دقيقة الرأس ، مخططة الظهر ، تستقبل الشمس نهارها وتدور معها كيف دارت ، وتتلون ألوانا ، ويضرب بها المثل في التلون ، والجمع «حرابي».
(٢) رجل عزهاء : عازف عن اللهو والنساء. مادة (ع ز ه) اللسان (٤ / ٢٩٣٣).
(٣) يقال : درحاية : كثير اللحم ، قصير ، سمين ، ضخم البطن ، لئيم الخلقة. اللسان (٢ / ١٣٥٤) قال الراجز :
إمّا تريني رجلا دعكايه |
|
عكوّكا إذا مشى درحايه |
تحسبني لا أحسن الحدايه |
|
أيايه أيايه إيايه |
وقيل الدعكاية : القصير : القصير الكثير اللحم ، طال أو قصر. وقال ابن بري : الدعكاية : القصير مادة (د ع ك) اللسان (٢ / ١٣٨٣). وقول الراجز أيايه ، هو لفظ تزجر به الإبل.
(٤) رخمته : من الترخيم ، وهو حذف آخر المنادى تسهيلا للنطق به ، وقد يرخم غير منادى ، كما في قوله : «ليس حي على المنون بخال» أي بخالد. مادة (رخم). اللسان (٣ / ١٦١٧).