فأما ما حكاه يونس من أن بعضهم قال : أعطيتكمه ، فشاذّ لا يقاس عليه عند عامة أصحابنا (١) ، فلذلك جاز أن تقول : به لأقعدنّ ، وبك لأنطلقنّ ، ولم يجز أن تقول : «وك» ولا «وه» ، بل كان هذا في الواو أحرى ، لأنها حرف واحد منفرد ، فضعفت عن القوّة وتصرف الباء التي هي الأصل.
أنشدنا أبو علي قال : أنشدنا أبو زيد (٢) :
رأى برقا فأوضع فوق بكر |
|
فلا بك ما أسال ولا أغاما (٣) |
__________________
(١) أصحابنا : يريد البصريين.
(٢) أبو زيد : صاحب النوادر ، وقد أورده في كتابه (ص ١٤٦) ، ونسبه إلى عمرو بن يربوع بن حنظلة ، وقد قاله وبيت آخر قبله يخاطب امرأته لما رحلت إلى أهلها في غيبته ، وقد زعم الرواة أنّ عمرا هذا تزوج السعلاة فقال له أهلها : إنك تجدها خير امرأة ما لم تر برقا ، فستر بيتك ما خفت ذلك ، فمكثت عنده حتى ولدت له بنين ، فأبصرت برقا ذات يوم فقالت له :
الزم بنيك عمرو إني آبق |
|
برق على أرض السعالي آلق |
فقال عمرو :
ألا لله ضيفك يا أماما |
|
.......... |
رأى برقا فأوضع فوق بكر |
|
فلا بك ما أسأل ولا أغاما |
والشطر الثاني من البيت الأول سقط من أيدي الرواة ، قال أبو حاتم عن أبي زيد عن المفضل قال : لم أسمع بقافيته ، فسمى الناس بني عمرو ، بني السعلاة ، حتى قال الشاعر :
يا قاتل الله بني السعلات |
|
عمرو بن يربوع شرار النات |
غير أعفاء ولا أكيات |
بإبدال السين في الناس وأكياس : تاء.
(٣) أوضع : أسرع في السير. اللسان (٦ / ٤٨٥٩) مادة (وضع). والبكر : الفتى من الإبل. اللسان (١ / ٣٣٤) ، وجملة «ما أسال ولا أغاما» جواب القسم. والضيف بكسر الضاد : الناحية والمحلة ، وبفتحها النازل عند آخر ، والظاهر أنه يريد نفسه. الشرح : يدعو لمحلة أهلها بأن تسلم من أذى البرق والسيل ويقسم بحياتها إنه لن يكون مع هذا البرق غيم ولا سيل يتأذى به أهلها. والشاهد في البيت : أنه أدخل باء القسم على الضمير ، فقال «بك» بخلاف باقي حروف القسم لأن الباء هي الأصل كما ذكر المؤلف. إعراب الشاهد : الباء : حرف جر يفيد القسم ، والكاف : ضمير مبني في محل جر.