واعلم أن الكاف المفردة تستعمل في الكلام على ضربين : جارة وغير جارة ، والجارة أيضا على ضربين : أحدهما حرف ، والآخر اسم.
فأما الحرف فما لم يقع مواقع الأسماء ، وذلك نحو قولك : مررت بالذي كزيد ، والكاف هنا حرف لا محالة ، لأنك لو قلت مررت بالذي مثل زيد ، أو مررت بالذي مثل جعفر ، لكان خلفا (١) وقبيحا من الكلام ، حتى تظهر الضمير المبتدأ المحذوف ، فتقول : مررت بالذي هو مثل زيد ، ومررت بالذي هو مثل جعفر ، فإجماعهم على استحسان مررت بالذي كزيد ، دلالة على أن الكاف حرف جرّ ، وأنه بمنزلة قولك : مررت بالذي في الدار ، وضربت الذي من الكرام ، وجاءني الغلام الذي لمحمد.
وهذا استدلال سيبويه ، وهو الصواب الذي لا معدل عنه.
وأما الكاف التي في تأويل الاسم ، فالتي تقع مواقع الأسماء.
وذلك نحو قول الشاعر :
وصاليات ككما يؤثفين (٢)
فالأولى حرف ، والثانية اسم ، لدخول حرف الجرّ عليها. فأما قول الآخر :
فلا والله لا يلفى لما بي |
|
ولا للما بهم أبدا دواء (٣) |
فليست اللام الثانية باسم ، وإن كانت قد دخلت عليها اللام الأولى ، لأنه لم يثبت في موضع غير هذا أن اللام اسم ، كما ثبت أن الكاف اسم ، وإذا كان ذلك كذلك ، فإحدى اللامين زائدة مؤكدة ، وينبغي أن تكون الزائدة هي الثانية دون الأولى ، لأن حكم الزائد ألا يبتدأ به.
__________________
(١) خلفا : الخلف بإسكان اللام الرديء من القول. مادة (خ ل ف). اللسان (٢ / ١٢٣٦).
(٢) يؤثفين : أي جعل لها أثافي. والأثافي (م) أثفية ، والأثفية هي أحد أحجار ثلاثة يوضع عليها القدر. سبق تخريجها.
(٣) ذكر البيت صاحب خزانة الأدب ونسبه لمسلم بن معبد (١ / ٣٦٤ ـ ٣٦٦). الشاهد فيه معاملة اللام الثانية معاملة الحرف مثل اللام الأولى. يلفي : لفى ـ ألفاه أي وجده وصادفه. مادة (ل ف ا) اللسان (٥ / ٤٠٥٦). دواء : ما يتداوى به ويعالج (ج) أدوية. مادة (د وا) اللسان (٢ / ١٤٦٥).