وكذلك قول الأعشى :
هل تنتهون ولن ينهى ذوي شطط |
|
كالطّعن يذهب فيه الزيت والفتل (١) |
فالكاف هنا موضع اسم مرفوع ، فكأنه قال : ولن ينهى ذوي شطط مثل الطعن ، فيرفعه بفعله.
فإن قال قائل : فهل يجوز أن تكون الكاف في هذا البيت حرف جرّ ، وتكون صفة قامت مقام الموصوف ، وتقدير الموصوف على قولنا : ولن ينهى ذوي شطط شيء كالطعن ، فيكون الفاعل شيء المحذوف ، وتكون الكاف حرف جرّ صفة لشيء الفاعل ، لأن شيئا نكرة ، والنّكرات قد توصف بحروف الجرّ ، نحو قولك : جاءني رجل من أهل البصرة ، وكلمت غلاما لمحمد ، ويكون حذف الموصوف هنا جائزا ، كما جاز في قول مر تأوّل الآية على إقامة الصفة مقام الموصوف ، وهي قوله : (وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها) [الإنسان : ١٤] قالوا : أراد : وجزاهم بما صبروا جنّة وحريرا ، وجنّة دانية عليهم ظلالها ، فحذف جنّة ، وأقام دانية مقامها.
__________________
(١) ينسب البيت إلى الأعشى أبو بصير ، وهو ميمون بن قيس بن جندل ، من شعراء الطبقة الأولى في الجاهلية. وأحد أصحاب المعلقات وكان يغني بشعره فسمي صناجة العرب. البيت من قصيدة يتغزل فيها بمحبوبته هريرة ، ومطلعها :
ودع هريرة إن الركب مرتحل |
|
وهل تطيق وداعا أيها الرجل |
تنتهون : تنتهون عن الشيء أي تكفون عنه. مادة (ن ه ى). اللسان (٦ / ٤٥٦٤). شطط : شط ـ شططا : أي أمعن وجاوز الحد ، واشتط في الحكم أي جار. اللسان (٤ / ٢٢٦٣) الطعن : طعن طعنا : وخذه برمح ونحوه. مادة (ط ع ن) اللسان (٤ / ٢٢٧٦). الفتل : (م) فتلة ، وهي قطعة من خيط القطن أو الحرير ونحوهما. اللسان (٥ / ٣٣٤٤). يقول الأعشى : إن الإنسان الذي يظلم لا ينتهي عن الظلم إلا إذا طعن طعنا تذهب فيه الفتل. الشاهد في قوله (كالطعن) حيث إن حرف التشبيه الكاف يعامل معاملة اسم التشبيه (مثل) ذلك أن أداة التشبيه تكون اسم أو فعل أو حرف ، فالاسم مثل (مثل) والحرف مثل الكاف ، والفعل مثل يشابه أو يشبه ونحوهما. إعراب الشاهد : كالطعن : الكاف : اسم مبني في محل رفع فاعل وهو مضاف. الطعن : مضاف إليه مجرور بالإضافة.