فالجواب من وجهين :
أحدهما شذوذ هذه الحكاية ، وأنه لا نظير لها.
والآخر : ما كان يقوله أبو علي ، وهو أنه إنما جاز أن ينكّر هذا الاسم وإن كان اسم إشارة ، من قبل أنه قد يجوز أن ينظر إلى قوم من بعيد ، فيتشكّك في الأشباح (١) : أناس هم أم غيرهم ، فإنما نوّن هؤلاء من هذا الوجه ، إلا أنك لا تقيسه لضعفه.
ويؤكّد عندك أيضا أن هذه الكاف حرف ، وليست باسم ، ثبوت النون في : تانك وذانك ، ولو كانت اسما لوجب حذف النون قبلها ، وجرّها هي بالإضافة ، كما تقول : قام غلاماك وصاحباك وجاريتاك.
ويدلّ على ذلك أيضا قولهم : النّجاءك ، أي انج. ولو كانت الكاف اسما لما جازت إضافة ما فيه الألف واللام إليها ، وكذلك قولهم أبصرك زيدا ، لا يجوز أن يكون الكاف اسما ، لأن هذا الفعل لا يتعدّى إلى ضمير المأمور به.
ألا تراك لا تقول : اضربك ولا أقتلك : إذا أمرته بضرب نفسه وقتله إياها ، وكذلك أيضا قولهم : عندهم رجل ليسك زيدا ، لا يجوز أن تكون الكاف اسما ، لأنك قد نصبت زيدا ، لأنه خبر ليس ، ولو كانت الكاف منصوبة لما نصبت اسما آخر.
فإن قلت : فاجعل الكاف خبر ليس ، واجعل زيدا بدلا من الكاف. فذلك خطأ ، من قبل أن ضمير المخاطب لا يبدل منه بدل الكلّ ، لأنه في غاية الوضوح البيان ، فلا حاجة به إلى الإبدال منه.
ألا ترى أنك لا تقول : إنك زيدا قائم ، ولا ضربتك محمدا ، على أن تجعل زيدا ومحمدا بدلا من الكاف.
وأما قولهم : «أرأيتك زيدا ما صنع؟» ، فإنما الكاف هنا أيضا للخطاب بمنزلة ما تقدم ، ولا يجوز أن تكون اسما ، لأن «زيدا» هو المفعول الأول ، و «ما صنع» في موضع المفعول الثاني ، فالكاف إذا لا موضع لها من الإعراب.
فإن قلت : فهلا جعلت الكاف هي المفعول الأول ، وزيدا هو المفعول الثاني؟
__________________
(١) الأشباح : شبح الشيء : أي بدا غير جلي ، أو ما بدا لك شخصه غير جلي من بعد.