فذلك غلط ، من قبل أن السؤال إنما هو عن زيد في صنيعه ، ولست تسأل عن المخاطب ما صنع؟ وأيضا فلو كانت الكاف هي المفعول الأول ، وزيد هو المفعول الثاني ، لجاز أن يقتصر على زيد ، فتقول : أرأيتك زيدا ، كما تقول : ظننتك زيدا ، فحاجة زيد إلى ما بعده ، يدلّ على أنه هو المفعول الأوّل ، وأن ما بعده في موضع المفعول الثاني ، وأيضا فإنا نجد معنى : أرأيتك زيدا ما صنع ، وأرأيت زيدا ما صنع واحدا. فدلّ هذا على أن الكاف للخطاب ، وليست مغيرة شيئا من الإعراب.
وأيضا فلو كانت الكاف هي المفعول الأول ، وزيدا هو المفعول الثاني ، لوجب أن تقول للمؤنث : أرأيتك زيدا ، فتكسر التاء ، كما تقول : ظننتك قائمة ، ولوجب أن تقول للاثنين : أرأيتما كما الزيدين ، كما تقول : ظننتماكما قائمين. وكذلك في الجماعة المذكرة والمؤنثة ، فترك العرب هذا كله ، وإقرارهم التاء مفتوحة على كل حال ، يدلّ على أن لها وللكاف في هذا النحو مذهبا ليس لهما في غير هذا الموضع.
وإنما فتحت التاء في كل حال ، واقتصر في علامة المخاطبين وعددهم على ما بعد التاء في قولك للرجل : أرأيتك زيدا ما صنع؟ وللمرأة : أرأيتك زيدا ما فعل؟
وأريتكما وأرأيتكم وأرأيتكنّ ، بفتح التاء البتة ، لأنها أخلصت اسما ، وجعلت علامة الخطاب والعدد فيما بعد ، فاعرف ذلك.
وهذه مسألة لطيفة عنّت (١) لنا في أثناء هذا الفصل ، نحن نشرحها ، ونذكر خلاف العلماء فيها ، ونخبر بالصواب عندنا من أمرها ، وهي قوله عز اسمه : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) [الفاتحة : ٥] وما كان مثله.
أخبرني أبو عليّ عن أبي بكر محمد بن السريّ عن أبي العباس محمد بن زيد : أن الخليل يذهب إلى أن إيّا اسم مضمر مضاف إلى الكاف. وحكى عن المازني مثل هذا القول المحكيّ عن الخليل ، في أنه مضمر مضاف.
قال : وحكى أبو بكر عن أبي العباس عن أبي الحسن الأخفش ، وأبو إسحاق عن أبي العباس غير منسوب إلى الأخفش : أنه اسم مفرد مضمر ، يتغير آخره ، كما تتغير أواخر المضمرات ، لاختلاف أعداد المضمرين ، وأن الكاف في إياك كالتي في
__________________
(١) عنت : بدت وظهرت. مادة (ع ن ن) اللسان (٤ / ٣١٣٩).