أما قول الخليل إن إيّا اسم مضمر مضاف ، فظاهر الفساد ، وذلك أنه إذا ثبت أنه مضمر ، فلا سبيل إلى إضافته على وجه من الوجوه ، لأن الغرض في الإضافة إنما هو التعريف والتخصيص ، والمضمر على نهاية الاختصاص ، فلا حاجة به إلى الإضافة.
فإن قلت : فقد قالوا ربّه رجلا ، وربّها امرأة. فأدخلوا ربّ على المضمر ، وهو عندك على نهاية الاختصاص ، فما وجه ذلك؟
فالجواب : أنه إنما جاز دخول ربّ في هذا الموضع على المعرفة لمضارعتها (١) النكرة ، بأنها أضمرت على غير تقدم ذكر ، ومن أجل ذلك احتاجت إلى التفسير بالنكرة المنصوبة ، نحو رجلا وامرأة ، ولو كان هذا المضمر كسائر المضمرات لما احتاج إلى تفسير ، وليس كذلك إياك وإياه وإياي ، لأن هذه مختصة معروفة بمنزلة أنا وأنت وهو ، فكما أن هذه مضمرات مختصة ، فكذلك إيا ، هي مضمرة مختصة ، فهذا يفسد قول الخليل والمازنيّ جميعا.
فأمّا ما حكاه سيبويه عنه من قولهم : فإياه وإيا الشوابّ ، فليس سبيله مثله مع قلته أن يعترض على السّماع والقياس جميعا ، ألا ترى أنه لم يسمع منهم إيّاك وأيّا الباطل ولا حكي عنهم تأكيد الهاء والكاف بعد إيّا.
فأما قول الخليل : لو أن قائلا قال : إياك نفسك لم أعنفه. فهذا ليس بتصريح قول ولا محض إجازة ، وإنما قاسه على ما سمعه من قولهم ، فإياه وإيا الشوابّ ، ولو كان ذلك قويا في نفسه ، وسائغا في رأيه ، لما قال : لم أعنفه ، كما لا يقال في قول من قال : قام زيد ، فرفع زيدا بفعله : إنك في هذا عندي غير معنّف ، وإنما يقال له أصبت ووافقت صحيح كلام العرب الذي لا معدل عنه. أو كلام هذا نحوه.
فأما قول من قال : إنّ إياك بكماله الاسم ، فليس بقويّ ، وذلك أن إياك في أنّ فتحه الكاف تفيد الخطاب المذكّر ، وكسرة الكاف تفيد الخطاب المؤنث ، بمنزلة أنت ، في أنّ الاسم هو الهمزة والنون ، والتاء المفتوحة تفيد خطاب المذكر ، والتاء المكسورة تفيد خطاب المؤنث ، فكما أن ما قبل التاء في أنت هو الاسم ، والتاء حرف خطاب ،
__________________
(١) مضارعتها : مشابهتها. وضارع الشيء : شابهه.