وليس معناه التّقليل دائما ، خلافا للأكثرين ، ولا التّكثير دائما ، خلافا لابن درستويه وجماعة ، بل ترد للتّكثير كثيرا وللتقليل قليلا.
فمن الأول (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) (٢) [الحجر : ٢] ، وفي الحديث : «يا ربّ كاسية في الدّنيا عارية يوم القيامة». وسمع أعرابيّ يقول بعد انقضاء رمضان : «يا ربّ صائمه لن يصومه ، ويا ربّ قائمه لن يقومه» ، وهو مما تمسّك به الكسائي على إعمال اسم الفاعل المجرّد بمعنى الماضي ،
______________________________________________________
مشابهة الحرف وضعا وذلك متحقق في بعض لغاتها ، وهو ما كانت الباء فيه مخففة فحملت المشددة الباء عليها طردا للباب ، (وليس معناه التقليل دائما خلافا للأكثرين ، ولا التكثير دائما خلافا لابن درستويه وجماعة) ولا للتقليل في أكثر الأوقات خلافا لقوم ، ولا للتكثير في موضع المباهاة والافتخار دون غيره خلافا لجماعة ، ولا الإثبات دون تقليل أو تكثير بحسب الوضع ، وإنما ذلك مستفاد من السياق خلافا للآخرين ، وقد فات المصنف عد هذه الأقوال الثلاثة (بل ترد للتكثير كثيرا وللتقليل قليلا) وهذا اختيار ابن مالك ، وليس فيه إفصاح بأن ذلك بحسب الوضع أو لا ، وقال الرضي : التقليل هو أصلها ثم استعملت في معنى التكثير حتى صارت فيه كالحقيقة ، وفي التقليل كالمجاز المحتاج إلى القرينة.
(فمن الأول) وهو ورودها للتكثير قوله تعالى : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) [الحجر : ٢] أي : تكثير ودادتهم الإسلام لما يشاهدونه من كرامة المسلمين ونجاتهم مما تلبس به الكفار من العذاب ، وقول أهل التقليل إنما قلل ؛ لأن أهوال يوم القيامة تشغلهم عن كثرة التمني خلاف الظاهر ، (وفي الحديث «يا رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة» (١)) وهو مسوق لإفادة أن ذلك كثير لا قليل ، (وسمع أعرابي يقول : بعد انقضاء رمضان يا رب صائمه لن يصومه يا رب قائمه لن يقومه) وهذا يحرض على الصيام والقيام ، والمعنى : أن كثيرا ممن صام هذا الشهر لا يصوم مثله بعده ، وكثيرا ممن قامه لا يقوم مثله بعد ؛ لاخترام المنية له فاجتهدوا في صيام مثله وقيامه إن أدركتموه ، فغرضه تعلق بالتكثير لا بالتقليل ، (وهو مما تمسك به الكسائي على إعمال اسم الفاعل المجرد بمعنى الماضي) ووجهه أن الهاء في محل نصب باسم الفاعل الذي هو بمعنى الماضي بالغرض ؛ إذ الأعرابي قال ذلك الكلام بعد انقضاء رمضان ومضيه كما مر ، فعلم
__________________
(١) أخرجه البخاري ، كتاب الجمعة ، باب تحريض النبي صلىاللهعليهوسلم على صلاة الليل .. (١١٢٦) ، والترمذي ، كتاب الفتن عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، باب ما جاء ستكون فتن كقطع الليل المظلم (٢١٩٦).