ـ أولا : كثرة استعمال الألفاظ في غير معانيها الأدبية ، فحينما يستعمل العربي كلمة قرب في المجال المحدد ل «اقترب» أو حتى كلمة سار في موضع كلمة سارب ، يختلط ظلال الكلمتين مع بعضهما ـ وتضيع الإيحاءات الخاصة.
ـ ثانيا : تعلقت أذهاننا بمعاني جامدة ومحددة لألفاظ عربية ، وفقدنا الشعور بمحور شعاع الكلمة ، نحن حينما نستعمل كلمة «جن» يتبادر الى أذهاننا المخلوق الغريب ، دون ان نفكر ولا لحظة حول ارتباط كلمة «ج ن ن» مع هذا المخلوق ونستعمل كلمة جنين دون أن نعرف أن هناك علاقة تناسب مع معنى الولد في بطن أمه ـ (جنين) ومعنى المخلوق الغريب (جن) وهي أن كليهما مستور عن أعين الناس.
وكذلك نطلق لفظة الخمر للدلالة على السائل المسكر ، ونطلق لفظة الخمار ـ للدلالة على الساتر لوجه المرأة ، ولا نلاحظ ان علاقة اللفظين ببعضهما إنما هي من ناحية الستر ، فهذا يستر الوجه ، وتلك تستر العقل.
وهكذا تتداخل ايحاءات اللفظ العربي ببعضها ونفقد بذلك فهم أهم سمة من سمات اللغة العربية التي لو فهمناها يسهل علينا فهم القرآن كثيرا.
من هنا يتوجب علينا الخروج من الفهم التقليدي للألفاظ العربية ـ نحو أفق اسمى ، يستشم المعنى الايحائي العام منها.
وهذا الخروج ضروري لفهم القرآن الحكيم إذ أنه في قمة البلاغة التي تتلخص في رعاية التناسب الشامل بين الموضوع ـ واللفظ وبين الواقع والتعبير. فيكون كشف المنحنيات التعبيرية والإيحاءات اللفظية ذات أهمية خاصة في القرآن أكثر من أي كتاب آخر لأنها معنية فيه بشكل لا يوصف.