«إذا طلع الدّلو هيب الجزو ، وأنسل العفو ، وطلب اللهو الخلو» (١). وقيل : «إذا طلع الدّلو فالرّبيع والبدو ، (وذلك) أول فصل الربيع ، وهو رأس الأزمنة ، وابتداء سنة الشمس. قال الشاعر ، وهو الحسن بن هانئ (٢) :
ألم تر الشّمس حلّت الحملا |
|
وقام وزن الزّمان واعتدلا |
وغنّت الطّير بعد عجمتها |
|
واستوفت الخمر حولها كملا (٣) |
يريد حول الشمس ، لأن الشمس كلما حلّت برأس الحمل فقد انقضت لها سنة منذ حلّت برأسه في السنة الماضية.
وفي عشرين منه تحلّ الشمس بالشّرطين ، ويتوسط السماء عند غروب الشمس النّثرة ، وفي نصف الليل الغفر ، وفي وقت السّحور والأذان القلب ، وعند طلوع الفجر النّعائم. وتسقط الهنعة ، ونوؤها ليلة ، وليس بالمشهور. وعند سقوطها يدرك الباقلّاء والنّبق والفاكهة المبكّرة بالعراق. ويطلع الفرغ (٤) الثاني.
وفي اثنين وعشرين منه نوء التجبيس (٥) الأوّل.
__________________
(١) في الأصل المخطوط : الجرو ، وهو تصحيف.
وانظر السجع في الأنواء ٨٢ ، والأزمنة ٢ / ١٨٤ ، والمخصص ٩ / ١٦ ، والزهر ٢ / ٥٣٠ ، وعجائب المخلوقات ٥١.
(٢) في الأصل المخطوط : الحسن البرهاني ، وهو تصحيف.
والحسن بن هانئ هو أبو نواس الشاعر العباسي المشهور بطريقته وخمرياته (١٩٩) ترجمته في الشعراء ٧٧٠ ـ ٨٠٢ ، والأغاني ١٨ / ٥٢ ، والخزانة ١ / ١٨٦ ، والوفيات ١ / ١٣٥ ، وتاريخ بغداد ٧ / ٤٣٦.
(٣) في الأصل المخطوط : واستوفت الشمس ، والمشهور ما أثبتناه.
والبيتان أول قصيدة خمرية لأبي نواس في ديوانه ٣١٣ ـ ٣١٤. والبيتان في الأنواء ١٩ ، والشعراء ٧٧٣. والبيت الثاني في الحيوان ٧ / ٥٥.
(٤) في الأصل المخطوط : الفرع ، وهو تصحيف.
(٥) ذكر المؤلف في الفقرات التالية ثمانية تجبيسات في مدى ٥٠ يوما ، بفواصل زمنية متساوية قدرها سبعة أيام. والتجبيس الثاني في تسعة وعشرين من آذار. والثالث في خمسة من نيسان. والرابع في اثني عشر منه. والخامس في تسعة عشر منه. والسادس في ستة وعشرين منه. والسابع في ثلاثة من أيار. والثامن في عشرة منه.
والتجبيس من الجبس ، وهو الجص الذي يبنى به. ولم أدر ما المراد به هاهنا ، ولم أجد له معنى آخري المراجع التي نظرت فيها من معجمات اللغة وكتب الأنواء وما شاكلها. إلا أن المؤلف قال في التجبيس الثامن في أيار : «وفي عشرة منه التجبيس الثامن ، وهو السيع». فعلمت أن السيع شرح وتفسير للتجبيس عندهم. والسيع هو ما يسيل على وجه الأرض من ماء المطر والجمد الذائب. فهل يريد المؤلف بالتجبيس هاهنا أمطار الربيع الشديدة التي تسيل منها الوديان ، وتذوب الثلوج على الجبال وتنحدر في الأباطح ، وينشأ عنها هذا الطين الذي يغطي وجه الأرض ، ويقال له الغرين.