وكان اهتمام أبي جعفر المنصور الخليفة العباسي الثاني (١٥٨) بهذا الفن عاملا كبيرا في نهضته وتقدمه. فقد كان المنصور يقرب المنجمين ، ويستشيرهم في أموره. وفي خلافته نقل أبو يحيى البطريق كتاب المقالات الأربع في صناعة أحكام النجوم لبطلميوس (١). وفي عهده نشأ الفلكي العربي المشهور أبو إسحاق إبراهيم بن حبيب بن سليمان الفزاري. وهو أول عربي صنع اسطرلابا ، والف فيه كتابا (٢).
وجاء إلى بغداد في سنة ١٥٤ وفد من السند في بلاد الهند. وكان في جملة هذا الوفد رجل هندي ماهر في معرفة حركات الكواكب وحسابها وسائر أعمال الفلك على مذهب علماء الهند ، ولا سيما مذهب الكتاب الشهير المعروف بالسندهند. فكلف المنصور هذا الرجل بإملاء مختصر لهذا الكتاب. ثم أمر بترجمته إلى العربية ، واستخراج كتاب منه يتخذ العرب أصلا في حساب حركات الكواكب ، وما يتصل به من الأعمال. فتولى ذلك أبو إسحاق الفزاري الفلكي المشهور (٣). وترجمت كذلك كتب الفرس واليونان في الهيئة. وأشهرها وأجلها كتاب المجسطي لبطلميوس اليوناني.
استمر العرب في نقل علوم الهيئة والنجوم من اللغات الأخرى. وتدارسوها وتدبروا ما فيها ، حتى أتى حين من الدهر نشأت فيه طبقة من العلماء من العرب أنفسهم ، يبتكرون أشياء جديدة في هذه العلوم ، ويصححون الأخطاء التي وجدوها في الكتب المنقولة ، ويستكملون النواقص التي لم يتنبه إليها العلماء القدامى ، أو
__________________
(١) الفهرست ٢٧٣ ، ٢٤٤.
(٢) المصدر السابق ٢٧٣ ، ٢٨٤.
(٣) تحقيق ما للهند من مقولة للبيروني ٢٠٨ ، ٢١١.