ويضم هذا الكتاب بين دفتيه زبدة علم الأزمنة والأنواء عند العرب في الجاهلية والإسلام ، مضافا إليها فصول من هذا الفن أخذها العرب من الأمم الأخرى التي اتصلوا بها بعد الإسلام. وفصول أخرى مستمدة من علوم الهيئة والنجوم التي نشأت عند العرب بعد الإسلام أيضا. ونظرة نلقيها على فهرس أبواب الكتاب تنبئنا بحقيقة ما نذهب إليه في هذا الشأن. فالباب الثاني فيه مثلا باب (ذكر أيام السنة العربية ، وأسماء شهورها) ، وهو من معارف العرب في الجاهلية من فن الأنواء. والباب العشرون فيه باب (في معرفة سمت القبلة في جميع الآفاق) ، وهو مما حدث في الإسلام من هذا الفن. والباب السابع فيه باب (في تاريخ الروم والسريان وأسماء شهورهم) ، وهو مما أخذه العرب من غيرهم في الأزمنة. والباب الخامس عشر فيه باب (في أوقات الفصول على مذهب أهل الرصد المحدث) ، وهو مستمد من علوم الهيئة والنجوم ، لا ريب.
وقد اتبع أبو إسحاق ابن الأجدابي خطة الإيجاز في تأليف كتابه هذا. فلم يحشر فيه الآراء المختلفة والنظريات المتضاربة حشرا ، ولم يأخذها بحذافيرها ، ولم يذكر تفاصيلها الجزئية الدقيقة. وإنما ذكر منها الخطوط العامة التي تحيط بالقضايا والمسائل الهامة. وعرض الأفكار الأساسية في الأبواب ، في بساطة ويسر ، وفي لغة نقية سهلة ، بعيدة عن التعقيد العلمي. وكأني به قد قصد من وضع كتابه إلى تبسيط فن الأزمنة والأنواء وتقريبه من اذهان جمهور القراء في عصره ، ولم يقصد به كبار العلماء من ذوي الاختصاص. فكان موفقا في عرض أبوابه وفصوله في صورة جميلة محببة إلى النفوس ، فجاء كتابه لذلك مختصرا لطيفا ، يمضي فيه القارئ مضيا سهلا ، دون أن يصطدم فكره بمشكلات العلم الصعبة ، أو يتعثر في مسالكه البعيدة المجهولة.