أسرفت فى قتل الرعية ظالما |
|
فاكفف يديك إخالها مهديّها |
وكانت وصلت إليه مبهمة ، ولم يسم قائلها ، فبحث عنه ، حتى أخبر أنها لسديف ، فأمر بدفنه حيّا ، ففعل به ذلك عبد الصمد بن علىّ ، عم المنصور ونائبه على مكة.
وكان سديف فى سجنه ، وكان قتله فى سنة سبع أو ثمان أو تسع وأربعين ومائة ، فإن عبد الصمد كان واليا [على مكة فى هذه](٣) المدة ، وما ذكرناه فى سبب قتله وكيفية قتله ، ذكره صاحب العقد ، وما ذكرناه فى ميله إلى بنى العباس ، وتقريبه لدولتهم ، وضربه وسجنه وإطلاقه ، وخطبته ومدحه لبنى العباس ، ذكره الفاكهى ، فنذكر ذلك ثم نتبعه بما ذكره صاحب العقد ، ثم بما ذكره صاحب الأغانى من خبره ، وما علمناه من ذلك.
قال الفاكهى : «ذكر خطبة سديف بن ميمون ، بين يدى داود بن على ، وما لقى قبل خروج بنى هاشم ودولتهم» (٤).
حدثنا عبد الله بن أبى مسرة قال : حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن حشيبر اللهبىّ ، عن ابن داب ، قال : لما قدم داود بن على بن عبد الله بن عباس مكة ، أخرج سديف بن ميمون من الحبس وخلع عليه ، ثم وضع المنبر ، فخطب فأرتج عليه ، فقام سديف بن ميمون فقال : أما بعد ، فإن الله عزوجل ، بعث محمدا صلىاللهعليهوسلم ، فاختاره من قريش ، نفسه من أنفسهم ، وبيته من بيوتهم ، فكان فيما أنزل عليه فى كتابه الذى حفظه ، وأشهد ملائكته على حقه : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) [الأحزاب : ٣٣]. وجعل الحق من بعد محمد صلىاللهعليهوسلم ، إلى أهل بيته ، فقاتلوا على سنته وملته ، بعد غض من الزمان ، وتتابع الشيطان ، بين ظهرانى أقوام ، إن رتق حق فتقوه ، وإن فتق جور رتقوه ، آثروا العاجل على الآجل ، والفانى على الباقى ، أهل خمور وماجور وطنابير ومزامير ، إن ذكروا الله لم يذكروا ، وإن قوموا لحقّ أدبروا ، بهذا قام زمانهم ، وبه كان يعمر سلطانهم ، عم الضلال فأحبطت أعمالهم ، إن غر آل محمد صلىاللهعليهوسلم ، أولى بالخلافة منهم ، فبم ولم أيها الناس؟ ، ألكم الفضل بالصحابة ، دون ذوى القربى ، الشركاء فى النسب ، والورثة للسلب ، مع ضربهم على الدين جاهلكم ، وإطعامهم فى اللأواء جائعكم ، وأمنهم فى الخوف سائلكم ، والله ما اخترتم من حيث اختار الله لنفسه ، ما زلتم تولون تيميّا مرة ، وعدويّا مرة ، وأسديّا مرة ، وأمويّا مرة ، حتى جاءكم من لا يعرف اسمه ولا نسبه ، فضربكم بالسيف ، فأعطيتموها عنوة ، وأنتم كارهون آل محمد صلىاللهعليهوسلم ، أئمة
__________________
(٣) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل ، وما أوردناه من الشعر والشعراء.
(٤) الخطبة فى العقد الفريد ٤ / ٤٨٥.