الحصن في كل سنة اثني عشرة ألف غرارة غلة بالدمشقي ، وتستمر مخزونة حتّى يتحصّل المغل الثاني ، ثم تصرف الغلّة المخزونة ، وتخزن الغلّة الجديدة ، حتى لا يخلو الحصن عن اثني ألف غرارة مخزونة به دائما ، والماء بالحصن كثير في آبار وصهاريج ، ولا يكاد يفرغ ، وبه ماء ينبع في مكان يعرف بالسّاتورة ، معدودة من عجائب الدنيا ، عمقها مائة وعشرة أذرع في عرض ستّة أذرع بالنجار ، مركب عليها مرمة هندسية من الخشب : بسقال ، يلتف عليها حبل سرباق مركّب فيه بتيتين (١٨) خشب ، تسع كل واحدة نحو راوية ماء ، وكل ما وصلت بتيتة إلى الماء وصلت الأخرى إلى رأس البير ، وعلى رأس البير ساعدان من حديد بكفّين وأصابع تتعلق الأصابع في حلقة البتية الملآنة ، وتجذبها الكفّان ، فينصب الماء إلى حوض ، وهذا الماء نبع ، ويذكر أنّ عمق الماء بها ستّون ذراعا.
ولمّا تمّ بناء الباشورة رسم أن يعمل برج غريب في وسط القلعة يعرف ببرج الظّاهر ، ووصفه بصفات عظيمة منها كبر الآلة جدا بحيث أنّ بابه الأسفل نحو ست حجارة ، فبني على تلك الصفة كثير منهم ، وأنّه كتب إلى السلطان الملك الظّاهر في أثناء البناء أنّ القنّب بالشام فقد ، ونقل الآلة يستدعي سرباقات كثيرة ، ولا تعمل إلّا من القنّب ، واستأذنوه في تخفيف الآلة فأجابهم بأنّ الحرير عندنا كثير ، فكبّروا الآلة ، وسيصل إليكم من الحرير ما يعمل مكان القنّب ، فرحمهالله ورضي عنه وأثابه جنّة النعيم ، آمين.
وارتفاع هذا البرج مائة وعشرون ذراعا ، وقطره سبعون ذراعا ، وهو ثلاث مساكن ومخازن ومنافع وطاحون تدور بالخيل ، وبير ماء جمع ، يكفي لمن يكون في هذا البرج طول الحول ، وله حلزون بغير درج ممشا عجيبا يسع ثلاث فرسان صفّا واحدا ، يصعد منه إلى سطحه ، ثمّ توجه إلى مصر المحروسة مسرورا بما منحه الله عزوجل ، وجهّز إلى نيابة صفد نائب عجلون.