إلى الله عزوجل وسألوه فتح صفد ، وارتفع ضجيجهم ، وابتهل خطيبهم ، وفي تلك الساعة طلب الافرنج الأمان على أن ينزلوا بأثاثهم ويتوجّهوا إلى السّاحل مجرّدين من غير حمل عدّة ولا مال ، فلمّا نزلوا خانوا ونكثوا ونقضوا العهد ، فضربت أعناقهم على تل يعرف بجبل المقتلين ، وأنّ أهل عكّا لمّا بلغهم ذلك بعثوا رسولا ، وطلبوا من السلطان أذنا في نقل هؤلاء الشّهداء المقتولين ، ليدفنوا بعكّا تبرّكا بهم ، فقال للرّسول أقم إلى غد لتعود بالجواب ، ثمّ توجّه ليلا في جماعة من الفرسان ، فأصبح بعكّا صباحا ، فقتل من أهلها جماعة ، ثمّ عاد إلى صفد من يومه ، وطلب القاصد ، وقال أخبرهم بأنّه قد صار عندهم شهداء كثيرة وتوفر عليهم كلفة النقل.
ولمّا حصل الفتح سرّ السلطان وابتهج ، ورمّم شعث الحصن ، وما فسد منه بالقتال ، ثمّ بنى على الحصن هذه الباشورة البرانيّة ، ونصب محرابا في الكنيسة ، وجعلها جامعا ، وصلّى بهم والعصابة الحرير التي بمنبر القلعة ، على رأس الخطيب اليوم ، هي التي كانت على رأس الملك الظّاهر يوم الفتح.
وقدم العلماء والصالحون من الشّام إلى صفد يهنّئون السلطان بالفتح من جملتهم الإمام النووي رحمهالله تعالى ، وصل وهو يبني على باب السّر شمالي الحصن ، وكان مجيئه ماله نظير إلّا فتح القلعة.
أخبرني بذلك من حضره ممّن أثق به.
ولمّا تمّ ما قصد من هذا الفتح الجليل ، وعزم على التّوجّه والرحيل ، رتّب جماعة من خواص مماليكه العزيزة عليه ، وأعطاهم الاقطاعات الثقيلة ، وعرضهم بين يديه ، وقرر لأرباب القرآن الذين أحضرهم من سائر الجهات جزيل النّفقات ، فبلغ المصروف في كل شهر ثمانين ألف درهم ، وأرصد لهذا الحصن حواصل كثيرة من القرى ، كان يخزن منها في