ومنهم صاحب الفراسات الصادقة ، والكرامات الخارقة الشيخ صالح الشّجري ، من سادات القوم وأكابرهم ، وممّن عرف بالصّدق بين أوائلهم وأواخرهم ، ركبت مرّة على البريد مع نائب صفد المقر الشّهابي ابن صبح ، فدخلنا إلى الشجرة قرية الشيخ صالح بعد مشقة لشدّة الحرّ ، فنزل العسكر بعضه ، وحصل لهم مشقة من العطش ، ولم يتجرّأ أحد من العسكر أن يطلب ماء من البلد ، فإنّه نودي أنّ من طلب رغيفا أو بيضة أو تينا يضرب ويحمل إليه ، فما استقرّ بي الحال إلّا والشيخ صالح قد جاء إلى عندي ، ولم يكن أحد أعلمه بي ، ومعه بطّيخ أخضر يحمله ، ومع الشيخ الولي سليم الشّجري جرّة ماء ، فسلّم وسأل وقال : لو رجعت من ها هنا استرحت فضحكت ، وقلت إن كان بعد عشرين يوما ، وإذا بالنائب قد دعاني ووجدته بالقرب منّي ، وقال : قد رأيت رجوعك مصلحة ، وأنا لا أبطىء أيضا ، ولكن الساعة تسافر فلي في ذلك ضرورة ، ثمّ جهز صحبتي جماعة من مماليكه الكتابيّة ، وقال : لا تمكّنهم من النّزول إلّا في حطّين ، فو الله لقد رجعت لساعتي ، والشيخ صالح والشيخ سليم عندي لم يرجعا ، فودّعاني وانصرفا فشكرتهما على ما أسلفا ، وقد كان رحمهالله من أكابر الصالحين ، وولده إبراهيم أيضا من الصالحين.
وأخبرني الشيخ خليل خادم أولاد الأنبياء بقرية الشّجرة ، أنّ الشيخ صالح كان بالقدس الشريف ، وأنّه وجده بين الظّهر العصر داخلا في أراضي الشجرة ، فقال له : سألتك بالله أن تخبرني من أين قمت اليوم ، فقال : لا حول ولا قوّة إلّا بالله العلي العظيم ، قمت من القدس الشريف ، ولكن لا تظهر ذلك إلّا بعد موتي ، فعاش بعد ذلك سبعة أيام.
ومنهم أخوه في الله وصاحبه الشيخ سليم ، صاحب المقام العظيم ، والرّضى والتّسليم ، كبير الشّأن عظيم القدر بين الإخوان ، سليم الصّدر ، طاهر اللسان ، عجيب الأمر ، ظاهر النّور ، دائم الفكر ، كثير الذّكر ،