إلا الجميل ، إن اضطر صبر ، وإن منح شكر ، ففاز بالرّاحة والسلامة وسلم من الحسرة والنّدامة.
والثاني : القاضي بدر الدين ، كان ذا أدب وحكمة ، وثروة ونعمة ، ورئاسة وحشمة ، ومات قبل أخيه ، فكل ما جمعه تصرّف فيه ، وكانت وفاته شهيدا بالطّاعون الكبير ، وانقرض هذا البيت الخطير ، رحمة الله عليهم أجمعين ، فلقد كانوا أهل مكارم ، وجود ورحمة في هذا الوجود.
ومنهم صاحب العلم المبين ، والورع والدين ، القاضي شرف الدين ، الحاكم بالنّاصرة ، ذو الفضائل المتكاثرة ، صحب الأكابر الأئمّة ، حتّى صار من علماء هذه الأمّة ، واجتهد في طلب الحال ، حتّى صار من أهل الثروة والمال ، ثمّ نشأ له أولاد رؤساء أجواد علماء أعلام.
ومنهم قاضي القضاة شمس الدين ، ذو الحشمة والدين ، صاحب الصّدق والمعروف والخير المألوف ، يقضي على القذا ، ويؤذى فيحتمل الأذى ، قام في قضاء القضاة بصفد دهرا طويلا ، فأفاض على الرّعيّة خيرا جزيلا ، وسار فيهم سيرة مرضيّة حتّى أتته المنيّة ، فوجد من جملة ما خلف من التّراث والحاضر من الميراث خمسة آلاف دينار مصرية ، ومن الدراهم عشرة آلاف بندقية ، إلى غير ذلك من الجاموس العديد ، والغنم المديد ، فظنّ ولده أنّ ذلك لا يفنى ولا يبيد ، فلم يلبث إلّا مدّة يسيرة ، ثمّ مات ، فظهرت عليه ديون كثيرة فأبيع جميع موجوده فلم يف بما عليه ، فيا تعب من لم يقنع بما رزقه الله ، وفوّض الأمر إليه.
ومنهم أخوه القاضي برهان الدين ، ذو الورع والدّين ، والسّكون واللطف والرحمة ، والعطف ، حسن الطريق لا يدخل فيما لا يليق ، تولّى الحكم قديما بعكّا ، والنّاصرة ، فكانت له السّيرة الحسنة الفاخرة ، ثمّ اختار الرّاحة والسلامة ، وخفّة الحساب يوم القيامة ، فجمع خاطره على الله وقنع بما عنده من فضل الله ، فلمّا مات أخوه اختاروه وعيّنوه ، فلم