وممّن ورد على صفد ، وأقام فصار من أهل البلد : الإمام العلّامة والقدوة الفهّامة أحد الأئمّة الأعلام ، بقيّة السّلف الكرام ، ناشر العلم بهذا الإقليم ، وجابر الطّلبة بخلقه العظيم ، وداعيا ليلا ونهارا إلى الطّريق القويم ، المجتهد سرّا وجهرا في هداية الخلق إلى الصّراط المستقيم ، خلف السّلف الصالح علاء الدين علي بن محمد صالح ، شيخ الإسلام المعروف بالرّسّام ، كان إماما عظيما ، وسيدا حليما ، وخيّرا حكيما ، قد استغرق لأوقاته الصالحة كلّها في مساعدة الخلق في الأمور العظيمة وحلّها ، فإنّ لله عبادا طهّرهم من الأدناس ، وخلقهم لحوائج الناس ، تفزع الناس إليهم في أمورهم ، أولئك هم المؤمنون يوم القيامة ، أتيته لوداعه عند توجّهه إلى الحج فسألته الدعاء ، فقال لي : سألت شيخي ياقوت الاسكندري الدعاء عند وداعه ، فقال لي : سألت شيخي أبا العبّاس المرسي الدعاء عند وداعه ، فأخبرني أنّه لمّا اجتمع بأبي العبّاس الخضر بأرض برقة سألته الدعاء عند وداعه ، فقال لي : صحبك الله اللطيف الجميل ، وكان لك صاحبا في المقام والرّحيل ، قلت : في هذه الحكاية فوائد منها معرفة هذا الدعاء العظيم الموقع ، ومنها نقل العدل الضّابط ، عن العدل الضّابط وجود الخضر وحياته ، وحصول مشاهدته ، وكانت له طريقة تجمع بين الشّريعة والحقيقة ، كثير الخشوع ، غزير الدّموع ، إذا جاءه أحد من الطّالبين ، فكأنّما جاءه أمير المؤمنين ، جئت يوما لزيارته وقد جاؤوا ببغلته ، وهو متوجّه إلى دار العدل ، فإنّه من أهل العقد والحل ، فأمر محضر البغلة فرجع ، ثمّ دخل إلى بيته ولأثوابه نزع ، ثمّ حمل كتابا وبساطا ، وأظهر قوّة ونشاطا ، فقلت : والله لقد زاد الخجل ممّا حصل ، فقال : صحبتك يخشى فواتها ، ودار العدل كثير أوقاتها ، فأثابه الله الجنّة ، لقد حملني أعظم منة ، وكانت أوقاته معمورة ، وأعماله مبرورة ، إن صلّى فبالخشوع يطيل السّجود والرّكوع ، وإن ذكر فمن صميم القلب ، وإن آذاه أحد صبر عليه واعتذر إليه ، كأنّه صاحب الذّنب ، وله تلامذة وأصحاب حصل لهم به الخير ، وكتب له الثّواب.