فادخلها ، ثمّ رأيته مرّة أخرى ، فقلت له : أخبرني عن أعجب ما رأيت في الدنيا ، فقال : إن أعجب ما رأيته كتبته بورقة ، وهي بالكيس الأزرق أولها : «كتبت» ، فقلت : لا أعلم ما أوله «كتبت»؟ فقال : اتني بدواة وورقة ، ثمّ املاني ثلاثة أبيات ، ثمّ تيقظت وفتّشت الكيس الأزرق فوجدت الورقة بعينها ، وإذا هي قصيدة من نظمه وهي هذه الأبيات :
كتبت بطرس راحتي وبناني |
|
خطا يسهل مقلة الوسناني |
فإذا وقفت عليه كن متدبّرا |
|
معنى المقال بفهم ذي عرفاني |
اعلم بأنّي من سراة أولي الحجى |
|
قرشي حقيقا من بني عثمان |
من عبد شمس أهل كل كريمة |
|
شم الأنوف ومعدن الضيفاني |
أرقى المنابر خاطبا ومذكرا |
|
بفصاحة خلقت بطي لساني |
قد كان غصن شيبتي متأنفا |
|
اختال عجبا مثل غصن الباني |
وإذا مررت على الحسان تشوّقت |
|
عند بدير لواحظ الغزلاني |
وتميط كل خريدة لخمارها |
|
حتّى تبين قلائد العقياني |
وإذا سمعت بأنني في مربع |
|
أمنية يهززن قضيب الباني |
فمضى الشباب وشاب عارض لمتي |
|
وابيّض فودي وانقضت أزماني |
فإذا رأتني الحور في خطراتها |
|
سترت محاسنها لحي يراني |
فقطعت أيام الشباب بغفلة |
|
في روض لهو راتعا بأماني |
ودنا المشيب مبينا عن رحلتي |
|
فنظرت من وجلي إلى ديواني |
فوجدته كالليل مما قد حوى |
|
من معظم الزلّات للحرماني |
فجهدت على أن أنال مثوبة |
|
ألقى بها ربي الذي انشاني |
هيهات فات زمان تحصيل العلا |
|
ماذا أحصل والمشيب دهاني |
واخجلتى مما جنيت لشقوتي |
|
كيف المقال لعالم الكتماني |
فبكيت حزنا إذ مضى زمن الصّبا |
|
في غفلة وغياه الخسراني |
وتنغصت نفسي الحياة فلم تطب |
|
والموت أصبح نازل بعناني |