وكان الخلق كلّهم عنه راضون ، ومات شابا دون الثّلاثين ، رآه والدي بعد وفاته بالمنام ، فذكر أنّه في خير وافر الأقسام ، فقال : ألّا تحضره لديك لتطمئن برؤيتهما؟ فقال : كل يوم أراهما عند مجيئها لقرائتهما.
وولده هو والدي الشيخ شرف الدين عبد الرحمن من السادات الأكابر ، والصالحين الأماثل ، سلك في صغره طريق جدّه الكمال ، واقتدى به في شريف الخلال ، من الصلاة الحسنة ، والصوم المحفوظ ، والذّكر الكثير ، والصّمت في محلّه ، وكثرة تلاوة القرآن ، ودوام التّهجّد والبكاء ، والتّضرّع في ظلمات الليل ، ولين الجانب ، وحسن الخلق ، وتربية الأيتام ، وكفالة الأرامل ، وعيادة المرضى وتشييع الجنائز ، وكثرة الإنفاق والبذل حتّى لا يقتني شيئا أبدا بل ينفق كل ما جاء ، ولم أر أحيا وجها منه ، ما كان يثبت وجهه في وجه أحد ، لزمته وأخذت عنه نحو عشر سنين ، فلم أره ليلة ينام كما تنام النّاس ، ولقد رأيته ليلة قام فصلّى ، ثمّ بكى وسجد باكيا ، ومكث يبكي ويمرّغ وجهه ، وطال سجوده ، وانقطع حسّه حتّى ظننت أنّه فارق الدنيا فهممت بالقيام إليه فسمعته يقول شابت لمتي ، وضعفت قوّتي ، وكبرت جرمتي ، وقلّت حيلتي ، فعلمت أنّه حي ، وكان عالما عاملا ، حفظ القرآن العظيم ، والتّنبيه في الفقه ، والجمل في النّحو ، والخطب النّباتيّة ، وكان له معرفة جيدة في أصول الدين ، والعربية ، فإنّه أخذ أولا عن عمّه الشيخ نجم الدين ، وأخذ الفقه عن الشيخ برهان الدين بن الفركاح ، والشيخ شرف الدين الفزاري بدمشق ، واجتمع بجماعة من الأكابر في العلم والزّهد ، وله معرفة في علم الشروط ، وله فيه وفي غيره مصنّفات ، وله نظم لطيف ، ومقامات ، ومات في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة وعمره ثمان وخمسون سنة ، رأيته بعد وفاته ، فقلت :أخبرني عمّا لقيت؟ فقال : وقفت بين يدي الله عزوجل ، فقلت : فما قال لك؟ قال لي : من أنا؟ قلت : فما قلت له؟ قال : قلت أنت الله الذي لا إله إلّا أنت رب الأرباب ، قلت : فما قال لك؟ قال : قال لي : هذه الجنّة