والبراعة العراقي الشّافعي ، أخذ عن الأعلام بالشام ، ثمّ رغب في الإقامة عندنا فأقام ، ففتح عليه بتداريس مناسبة ، وتأكدت بيني وبينه المصاحبة ، ثمّ استميل عنّي فمال ، ثمّ ندم واستقال ، فذهب ما كان من الوحشة وزال ، رعاية لقديم صحبته وسابق إحسانه ومحبّته ، وصار عليّ شفوقا ، وفي محبّتي صدوقا ، وإن عاد إلى الخباط فآخر الليل تسمع العياط.
ومنهم الشيخ الكبير الأصيل ، ذو الفنون والتحصيل ، والعلم المستطيل ، والوصف الجميل ، شيخ الأدب ، ومحيي سنّة العرب ، بمكارمه الغامرة ، وأشعاره الباهرة ، فكم له من بديع مقامة ، إذا تدبّرها قس اعترف له بالإمامة ، وكم له من قصيد عظيم لو سمعه امرؤ القيس لأقرّ بالتّقديم ، القاضي زين الدين عبد الله الزّبيري ، هو من أجلاء قضاتي وإخواني ، وأهل مولاتي لحسن أخلاقه وعدم نفاقه ، وأمّا في الكرم والسّماح فحدّث عنه ولا جناح ، جعلني الله وإيّاه من أجلّاء المتّقين آمين.
ومن علماء صفد وأكابرها وأفاضلها جدّي الخطيب ، شرف الدين الحسين بن الكمال ، كان رئيسا فاضلا ، عالما مفتيا كاملا في ذكائه ، كالنّار الموقدة ، وفي حيائه كالعذراء المنضدة ، وكان صالحا تقيّا بارّا ذكيّا اشتغل على الأطواد ، ورحل إلى أطراف البلاد ، فحصّل جملة من العلوم الشّرعيّة والأدبيّة والرّياضة ، وله طريقة لطيفة في الكتابة ، وتفرّد في علم الهيئة ، واخترع أشياء فيها لم يسبق إليها ، وقرأ القراءات السبعة بالقاهرة ، وبرع في علم الحساب حتّى فاق أهل عصره ، وله مصنّفات لطيفة ، ونظم رقيق ، من ذلك الأبيات التي تقدّم ذكرها في أوّل الكتاب ، وكان يحب الزّهد والانقطاع ، رأيته بمنامي بعد موت والدي على هيئة حسنة ، وأخبرني أنّه جدّي وقال لي : رتّب لأبيك ولا ترتب لي ، فقلت : نعم أرتب لك فظننت في النّوم أنّه يعني معلوما ، فلمّا تيقّظت ، علمت أنّه قصد القراءة والدعاء ، وكان شيخنا علاء الدين بن الرّسام يطنب في الثّناء عليه ، ويقول كان حسن الخلق والخلق ، عظيم اللطف والأناة والسّكون ، مع الدّيانة الوافرة ،