ولما بنى المقري الشّهابي ابن صبح الجامع الجديد ، فوّض إليه التّدريس والخطابة والنّظر بالجامع المذكور ، ثمّ مات رحمهالله بعد أن حجّ حجّات كثيرة ، عقيب وصوله من الحج سنة تسع وخمسين وسبعمائة ، وله ثمان وثلاثون سنة ، وكان حسن الأخلاق عظيم التّواضع مطرح جدا ، عصبي يقوم في قضاء الحاجات ، ويحلل المشكلات ، ولا يهاب ملكا ولا غيره ، عظيم السّخاء ، لو ملك ألف درهم أنفقها في ساعته ، ولمّا مات لم يخلّف شيئا من الدنيا قط ، وله تلاميذ ومصنّفات ، فمن مصنّفاته كتاب النّافع في الفقه ، وهو كتاب نفيس لطيف كثير الفوائد ، وأمّا تلاميذه فجماعة منهم : الصّاحب الشّفوق ، والمحب الصّدوق ، العالم الفاضل الذّكي ، ذي الأصل الأصيل البارع ، النّبيل غزير المروءة ، حافظ الأخوّة صاحب العصبية المهمات والحميّة وقت الملمّات والمكارم الحاتميّة والجود والأريحيّة ، من حاله سماوي ، الشيخ زين الدين البعناوي ، لزمه وتخرّج به ، وكان عزيزا عليه ، وما ضاع إحسانه فيه وفاء له بالصّحبة ، ولنا من بعده في الجود والمحبّة.
ومنهم الوفي بالحقوق ومن يربو على الأهل ويفوق ، ذو العلم والدين ، والفضل المبين ، والإيمان المتين ، الشيخ بهاء الدين عبد الكريم الشافعي ، وكان مملوكا للأمير أحمد ، وكان من الصّغر في الخير يجهد ، فنسب إلى الديانة ، وعرف بالصّيانة ، رأيته في بعض الأسفار ، فتفرّست فيه أنّه من الأخيار ، فلم تمض إلّا مدّة يسيرة حتّى رغب فينا ، وهجر أميره فلاطفه وهدّده ، فلم يرجع عمّا قصده ، فلمّا عرف منه الصّدق وحققه سلّم حاله إليه ، وأطلقه ، وبنى المدرسة وفوّض أمرها إليه ، وأكرمه وأقبل عليه ، فجدّ في العلم وتحصيله في سائر الأوقات ، وصحب أخي علاء الدين حتّى مات ، ثمّ لزمني فرأيته على أحسن الحالات ، ثمّ قرأ عليّ كتبا ، وعرضها مطربا ، فبرع وبحث ودرس وغمرنا بأنواع