وحجّ حجّات كثيرة ، وبني له في داره تربة حسنة منيرة ، لا يكاد يخرج منها إلّا لضرورة ، وجعل عند رأسه خابية مسبلة لها نفع ماء أعمّه ، وأجزل له ، وقف داره والبئر والفرن على تربته ، وانقطع للعلم الشريف وخدمته وهو باق ولله الحمد مجتهدا في نفع الخلق ، ورضى الحق ، وله ميعاد نهار الجمعة بالجامع تخشع منه القلوب ، وتجري فيه الدّموع ، وكم تاب فيه من تاب ، وكم نيل فيه من طالب ، ومن حين جلوسه على الكرسي ينتحب ويبكي ، فإذا شاهده الناس على هذه الحالة ، وقد ألبسه الله النّور والجلالة خشعوا وتضرّعوا ، ثمّ أنصتوا واستمعوا ، فإذا سمعوا جواهر قوله تصارخوا من حوله ، فلو لم يكن له من الأعمال إلّا هذا الميعاد لكفاه في الزّاد إلى المعاد ، وله أصحاب يلازمونه ويحبّونه فتح عليهم من صحبته وانتفعوا ببركته.
فمن أصحابه الأكابر وأحبابه الأماثل الشيخ جمال الدين يوسف العكبري ، صحبه زمانا طويلا فتخرّج به وبرع في علم القراءات ، واشتهر بحسن الصّوت ، والفصاحة ، ثمّ اختصّ بصحبة القضاة من أيام شيخنا الخضري وإلى آخر وقت فصار معدودا من الفقهاء مطّلعا على غوامض الأشياء وشكله من أحسن الأشكال ، وبحسن طريقه ضربت الأمثال.
ومنهم الذّكي الفهم ، والطّبع السّليم ، والطّريق المستقيم ، جمال الدين إبراهيم المعروف بابن الطّرابلسي ، كان أبوه من الجند بالقلعة ، فأحضره إليّ ، وقال : هذا قد خرجت لكم عنه ، ابتغاء ما عند الله ، فلزمني مدّة فوجدت عنده ذكاء وفصاحة ، فأشرت عليه وعلى والده ، أن يلازم الشيخ زين الدين لتشمله بركته ، فلزم الشيخ ليلا ونهارا ، فحنّ عليه وكابد معه حتّى برع ، وفاق ، فقرأ القراءات السبعة ، وأجازه بها ، ثمّ درّبه في قراءة الحديث حتّى مهر فيها ، وهو باق في خدمته ملازم لصحبته.
ومنهم العالم العامل ، المتعفّف الحامل ، المفنّن الكامل ، ذو الفضل