رأى ضعيفا جبره وعضده ، أو مظلوما نصره وأيّده ، أو ظالما زبره ، فهو حسنة في هذا البيت ، ورحمة أتمّ الله عليه سوابغ النّعم.
ثمّ نختم هذا القسم الثاني بالخطيب كمال الدين ، كما افتتحناه بأبيه الشيخ نجم الدين ، فنقول : هو الكبير بن الكبير ، الذي من حقة أن يفخر نهاية أبيه في بدايته أدركها وأحواله بعد السبعين في شأنه أدركها ، فكفل إخوته وبرّ والديه ، وأقام في كل شيء مقام أبيه ، لما اجتمع من الخصال المحمودة ، ولد بدمشق ، ثمّ انتقل صحبة والده إلى صفد ، وسنّه أربع سنين ، فنشأ بصفد ، وتخرّج بوالده وتأدّب بآدابه ، وتبع طرائقه ، فصار رئيسا كبيرا ، وعاقلا فاضلا ، ومات والده ، وقد بلغ الحلم فاستقرّ في وظائفه ، وقد ظهر له ثبات ، وصار يناظر الأكابر في الحشمة ، وإقامة الحرمة ، وكتب خطّا منسوبا عند أهل الكتابة ، وتفرّد في قراءة المحراب والخطابة ، وله نظم بديع رائق ، ونثر حسن فائق ، وكان له جوابات في الحال مسكته ، منها أنّه لمّا توفّي والده قال له الأمير سيف الدين قرمشي الحاجب بصفد ، وكان من أصحاب الشيخ تقي الدين بن تيميّة ، ويقول بتلك المسائل المعروفة ، ويكره الشيخ نجم الدين ، أشعري الاعتقاد ، ومولانا كمال الدين : ايش خلف الشيخ نجم الدين من كتب أرسطو؟ فقال : تأسيس التّقديس ، فخجل قرمشي خجلا عظيما ، فقال له قاضي القضاة شرف الدين : الذّنب لك وهذا فهو ابن نجم الدين ، ثمّ إن الخطيب كمال الدين لزم طريقة حسنة في جمع خاطره ، والإقبال على شأنه إلى أن مات في رابع عشر جمادى الآخرة ، سنة اثنتان وخمسون سنة وخمسة أشهر ، مات فجأة كوالده صلّى الصّبح بالنّاس ، ثمّ دخل إلى بيته فمات ، استسقى بالمسلمين في شهر ذي القعدة سنة احدى وأربعين ، وهو الحادي والعشرون من نيسان ، فحصلت الإجابة في الحال ، ونزل المطر علينا ، ، ونحن بالمصلّى ، فلمّا خرجنا قال : والله لمّا صعدت المنبر ، ونظرت إلى